تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ٦٥٦
في مجلسه بعد الصلاة فأسلم عليه فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ثم أصلي فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرض عني. حتى إذا طال علي ذلك من جفوة المسلمين تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه، فوالله ما رد. فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسول قال فسكت، فعدت له فسكت، فناشدته الثالثة فقال: الله ورسوله أعلم.
ففاضت عيناي. وتوليت حتى تسورت الجدار.
قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له إلي. حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان وكنت كاتبا فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك. ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. فقلت: وهذا أيضا من البلاء. فتيممت به التنور فسجرته به. حتى إذا مضى لنا أربعون ليلة من الخميس إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل بها فقال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها. وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله هذا الأمر.
قال كعب: فجاءت امرأة هلال رسول الله فقال: إن هلالا شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه فقال: لا، ولكن لا يقربنك. قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومي هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله في) امرأتك فقلت: لا والله، وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن استأذنته فيها، وأنا
(٦٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 651 652 653 654 655 656 657 658 659 660 661 ... » »»