يلبس ذلك الزي وخرج الأمير يحيى في الحال ومشى في البلد وسكن الفتنة وكان يحيى عادلا في دولته ضابطا لأمور رعيته عارفا بخرجه ودخله مدبرا في جميع ذلك على ما يوجبه النظر العقلي ويقتضيه الرأي الحكمي ونعته في الملاحم الملك المغدور وتحقق له هذا النعت بهذه الواقعة التي ذكرناها وكان كثير المطالعة لكتب الأخبار والسير عارفا بها رحيما للضعفاء شفيقا على الفقراء يطعمهم في الشدائد فيرفق بهم ويقرب أهل العلم والفضل من نفسه وساس العرب في بلاده فهابوه وانكفت أطماعهم وكان له نظر حسن في صناعة النجوم والأحكام وكان حسن الوجه على حاجبه شامة أشهل العينين مائلا في قده إلى الطول دقيق الساقين وكان عنده جماعة من الشعراء قصدوه ومدحوه وخلدوا مديحه في دواوينهم ومن جملة شعرائه أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الشاعر المقدم ذكره أقام تحت كنفه بعد أن جاب الأرض وتقاذفت به البلدان وله صنف الرسالة المشهورة التي وصف فيها مصر وعجائبها وشعراءها وغير ذلك وله فيه مدائح كثيرة أجاد فيها وأحسن وله أيضا مدائح في ولده أبي الحسن علي وولد ولده الحسن بن علي ومن جملة قوله من مديحه قصيدة (وارغب بنفسك إلا عن ندى ووغى * فالمجد أجمع بين البأس والجود) (كدأب يحيى الذي أحيت مواهبه * ميت الرجاء بإنجاز المواعيد) (معطي الصوارم والهيف النواعم والجرد * الصلادم والبزل الجلاعيد) (أشم أشوس مضروب سرادقه * على أشم بفرع النجم معقود) (إذا بدا بسرير الملك محتبيا * رأيت يوسف في محراب داوود) (من أسرة تخذوا الماذي لبسهم * واستوطنوا صهوات الضمر القود) (محسدون على أن لا نظير لهم * وهل رأيت عظيما غير محسود)
(٢١٤)