أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله وكان في كل فن من هذه الفنون كأنه لا يعرف سواه لقوته فيه وبالجملة فإن مجموع ما كان يعلمه من الفنون لم يسمع عن أحد ممن تقدمه أنه قد جمعه ولقد جاءنا الشيخ أثير الدين المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري صاحب التعليقة في الخلاف والزيج والتصانيف المشهورة من الموصل إلى إربل في سنة ست وعشرين وستمائة وقبلها في خمس وعشرين وستمائة ونزل بدار الحديث وكنت أشتغل عليه بشيء من الخلاف فبينما أنا يوما عنده إذ دخل عليه بعض فقهاء بغداد وكان فاضلا فتجاريا في الحديث زمانا وجرى ذكر الشيخ كمال الدين في أثناء الحديث فقال له الأثير لما حج الشيخ كمال الدين ودخل بغداد كنت هناك فقال نعم فقال كيف كان إقبال الديوان العزيز عليه فقال ذلك الفقيه ما أنصفوه على قدر استحقاقه فقال الأثير ما هذا إلا عجب والله ما دخل إلى بغداد مثل الشيخ فاستعظمت منه هذا الكلام وقلت له يا سيدنا كيف تقول كذا فقال يا ولدي ما دخل إلى بغداد مثل أبي حامد الغزالي ووالله ما بينه وبين الشيخ نسبة وكان الأثير على جلالة قدره في العلوم يأخذ الكتاب ويجلس بين يديه يقرأ عليه والناس يوم ذاك يشتغلون في تصانيف الأثير ولقد شاهدت هذا بعيني وهو يقرأ عليه كتاب المجسطي ولقد حكى لي بعض الفقهاء أنه سأل الشيخ كمال الدين عن الأثير ومنزلته في العلوم فقال ما أعلم فقال وكيف هذا يا مولانا وهو في خدمتك منذ سنين عديدة ويشتغل عليك فقال لأني مهما قلت له تلقاه بالقبول وقال نعم يا مولانا فما جاذبني في مبحث قط حتى أعلم حقيقة فضله ولا شك أنه كان يعتمد هذا القدر مع الشيخ تأدبا وكان معيدا عنده في المدرسة البدرية وكان يقول ما تركت بلادي وقصدت الموصل إلا للاشتغال على الشيخ
(٣١٣)