البحر وانحدرت إلى البصرة فخبرت أن الجاحظ بها وأنه عليل الفالج فأحببت أن أراه قبل وفاته فسرت إليه فأفضيت إلى باب دار لطيف فقرعته فخرجت إلي خادم صفراء فقالت من أنت قلت رجل غريب وأحب أن أسر بالنظر إلى الشيخ فبلغته الخادم ما قلته فسمعته يقول قولي له وما تصنع بشق مائل ولعاب سائل ولون حائل فقلت للجارية لا بد من الوصول إليه فلما بلغته قال هذا رجل قد اجتاز بالبصرة وسمع بعلتي فقال أراه قبل موته لأقول قد رأيت الجاحظ ثم أذن لي فدخلت فسلمت عليه ورد ردا جميلا وقال من تكون أعزك الله فانتسبت له فقال رحم الله أسلافك وآبائك السمحاء الأجواد فلقد كانت أيامهم رياض الأزمنة ولقد انجبر بهم خلق كثير فسقيا لهم ورعيا فدعوت له وقلت أنا أسألك أن تنشدني شيئا من الشعر فأنشدني (لئن قدمت قبلي رجال فطالما * مشيت على رسلي فكنت المقدما) (ولكن هذا الدهر تأتى صروفه * فتبرم منقوضا وتنقض مبرما) ثم نهضت فلما قاربت الدهليز قال يا فتى أرأيت مفلوجا ينفعه الإهليلج قلت لا قال فإن الإهليلج الذي معك ينفعني فابعث لي منه فقلت نعم وخرجت متعجبا من وقوعه على خبري مع كتماني له وبعثت له مائة إهليلجة وقال أبو الحسن البرمكي أنشدني الجاحظ (وكان لنا أصدقاء مضوا * تفانوا جميعا فما خلدوا) (تساقوا جميعا كؤوس المنون * فمات الصديق ومات العدو) وكانت وفاة الجاحظ في المحرم سنة خمس وخمسين ومائتين بالبصرة وقد نيف على تسعين سنة رحمه الله تعالى وبحر بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وبعدها راء
(٤٧٤)