قال الجاحظ إذا نظر الإنسان إلى موضع منفتح في أرض مستوية فليتأمله فإن رآه يتصدع في تهيل وكان تفتحه مستويا علم أنها كمأة وإن خلط في التصدع والحركة علم أنها دابة وله في هذا الباب من الفراسة أشياء غريبة كثيرة ولولا خوف الإطالة لبسطت القول في ذلك وبعض العلماء قد جمع جزءا كبيرا من أخباره (30) وكتب عمر بن عبد العزيز الأموي رضي الله عنه في أيام خلافته إلى نائبه بالعراق وهو عدي بن أرطاة أن اجمع بين إياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة الحرشي فول قضاء البصرة أنفذهما فجمع بينهما فقال له إياس أيها الأمير سل عني وعن القاسم فقيهي المصر الحسن البصري ومحمد بن سيرين وكان القاسم يأتيهما وإياس لا يأتيهما فعلم القاسم أنه إن سألهما أشارا به فقال له لا تسأل عني ولا عنه فوالله الذي لا إله إلا هو إن إياس بن معاوية أفقه مني وأعلم بالقضاء فإن كنت كاذبا فما يحل لك أن توليني وأنا كاذب وإن كنت صادقا فينبغي لك أن تقبل قولي فقال له إياس إنك جئت برجل أوقفته على شفير جهنم فنجى نفسه منها بيمين كاذبة يستغفر الله منها وينجو مما يخاف فقال عدي بن أرطاة أما إذ فهمتها فأنت لها واستقضاه وروي عن إياس أنه قال ما غلبني أحد قط سوى رجل واحد وذلك اني كنت في مجلس القضاء بالبصرة فدخل علي رجل شهد عندي أن البستان الفلاني وذكر حدوده هو ملك فلان فقلت له كم عدد شجره فسكت ثم قال منذ كم يحكم سيدنا القاضي في هذا المجلس فقلت منذ كذا فقال كم عدد خشب سقفه فقله له الحق معك وأجزت شهادته وكان يوما في برية فأعووزهم الماء فسمع نباح كلب فقال هذا على رأس بئر فاستقروا النباح فوجدوه كما قال فقيل له في ذلك فقال لأني سمعت الصوت كالذي يخرج من بئر وكان له في ذلك غرائب
(٢٤٩)