العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٨٣
هذه الأمة! قال أبو بكر: قد سألت النبي صلى الله عليه عن ذلك:
فقال: " من قبل الكلمة التي عرضتها على عمى فأباها ".
ألا ترى إلى حاجة الجميع إليه واستغنائه عنهم.
ولو لم يعلم من سعة علمه إلا قوله للمهاجرين والأنصار حين أشاروا عليه بأن يقبل الصلاة وقالوا إنهم لو قد أقاموا الصلاة لآتوا الزكاة.
قال أبو بكر: إن تميما إن أذن لها من الاسلام في نقض عروة لم ترض بمثله بكر بن وائل، ولو أعطيت كنانة وألفافها وأحابيشها أمرا لم ترض قيس حتى تزداد، ولئن سمعت قولكم لأنقضن الاسلام عروة عروة.
وفى مشيهم إليه في تأخير جيش أسامة يشيرون عليه ويقولون ما كتبنا في صدر الكتاب (1)، وفى قوله: " لو بقيت وحدى حتى تأكلني الكلاب ما أخرت جيشا أمر رسول الله صلى الله عليه بإنفاذه والوحي ينزل عليه " فلئن كان ما وصفنا لا يدل على جودة الرأي وصحة العزم وكثرة العلم، وعلى الشهامة والصرامة، واليمن والبركة، فما في الأرض دليل على فضيلة رجل ونقصه.
ومما يدل على سعة علمه وأنه كان المفزع دون غيره أن المهاجرين عامة وبنى هاشم خاصة اختلفوا في موضع دفن رسول الله صلى الله عليه، فقال قائل: خير المدافن البقيع، لأنه كان كثيرا ما يستغفر لأهله (2). وقال آخرون: خير المواضع موضع مصلاه. وقال آخرون:
عند المنبر. قال لهم أبو بكر: إن عندي فيما تختلفون فيه علما. قالوا:
فقل يا أبا بكر. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: " ما مات

(1) انظر ما مضى في ص 65.
(2) انظر السيرة 999 - 1000 وإمتاع الاسماع 1: 541.
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»