العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٤٦
لان النبي لم يقتل بيده إلا رجلا واحدا (1)، وقد علمنا أنه ليس أحد أشد احتمالا ولا أعظم غناء، ولا أظهر فضلا منه صلى الله عليه.
وقد تجد الرجل يقتل الاقران والفرسان وهو لا يستطيع أن يرفع طرفه في ذلك العسكر إلى رجل آخر ليس فيه من قتل الاقران قليل ولا كثير، لمعان هي عندهم أكثر من مشى ذلك المقاتل بسيفه، وقتله لقرنه.
وإذا ثبت أن رئيس العسكر وأشباهه قد ثبتت لهم الرياسة واستحقوا التقديم بغير التقدم والمباشرة، ثبت أن قتل الاقران ليس بدليل على الفضيلة والرياسة. أو ما تعلم أن مع الرئيس من الاكتراث والاهتمام وشغل البال، والعناية والتفقد، ما ليس لغيره. لأنه المخصوص بالمطالبة. وعليه مدار الامر، وبه يستنصر المقاتل وباسمه ينهزم العدو، وبتعبيته ورايته ومعرفته يفل الحد، ولان اختيار الحكيم دليل على احتمال طبيعته واستقلال نفسه، ولان فرته أو عردته أعظم من المأثم والعار من عردة غيره وفرة غيره (2).
[و] لو لم يكن من بليته وشدة ما محص به (3) إلا أن القوم لو ضيعوا

(١) هذا الرجل هو أبي بن خلف. قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
السيرة ٥٧٥، وعيون الأثر: ٢: ١٤ - 15 وإمتاع الاسماع 139، وأما أبو عزة الجمحي فلم يقتله بيده، بل أمر عاصم بن ثابت أن يقتله، فضرب عنقه وقتله صبرا، إمتاع الاسماع 160 (2) في الأصل: " ولان قربة أو عورته أعظم من المأثم والعار من عورة غيره وقره غيره " والعردة: اسم المرة من عرد الرجل، إذا هرب، اللسان (عرد 279).
(3) التمحيص: الابتلاء. قال ابن عرفة: لمحيص الله الذين آمنوا، أي ليبتليهم. اللسان (محص). والكلمتان قبلها مهملتان في الأصل.
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»