العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٨٢
ولربما تعلقوا بالسبب الضعيف، كالذي وجدوا لعمار بن ياسر من عداوة عثمان، وصنيع عثمان به، فلما كان عثمان عندهم في طريق عمر وأبى بكر وفى حيزهما جعلوا طعن عمار عليه طعنا عليهما، واحتجاج عمار لعلى احتجاجا عليهما، ولو اجتهدت أن تصيب لعمار موقفا واحدا أو كلمة طاعنة على أبى بكر وعمر وعثمان، فضلا عليهما قبل إحداثه، وقبل أن يجرى بينهما ما جرى، ما قدرت عليه.
وهل كان لعمر وال أنفذ لطاعته من عمار؟! ولقد رفع عليه جرير بن عبد الله، فجمع بينهما طمعا في ظهور حجته، والضرح عن نفسه (1)، فلما لم يجد ذلك عنده قال: ما عندنا خير لك يا أبا اليقظان.
ومن أجل ضعف عمار في الولاية وقوة المغيرة حين شكاهما أهل الكوفة قال عمر: " أعضل بي (2) أهل الكوفة، إن وليت عليهم تقيا ضعفوه، وإن وليت عليهم قويا فجروه ".
فإذا كان عمار يخطب على منبر الكوفة بتوكيد إمامة عمر، ويأمر الناس بطاعته، ويقيم الحدود والاحكام بأمره، ويفتح الفتوح بتأميره، فيرى القتل والسبي وإحلال الفروج. غير مكره بوعيد ولا مقصور بإيقاع، فأي دليل أدل مما حكيناه.
ولو أن طاعنا طعن في طاعة سهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف، وأبى أيوب الأنصاري، وأبى مسعود البدري، لعلى، هل كان عندكم

(1) الضرح: الدفع.
(2) في الأصل: " أعضابى " صوابه في اللسان (عضل 479).
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»