وقد جعل الجاحظ نفيه حكما بين هذه المطاعن والمناقضات. ولم يستطيع أن بكتم ما في نفسه من التحامل على الشيعة، كما لم يستطع أن يكذب على التاريخ فيسلب عليا رضوان الله عليه جمهور مناقبه العالية، بل هو يجهر بتمجيده لعلى كرم الله وجهه، ويحمل شيعة على تبعة هذه المهاترات، فيقول:
" وليس أنه - أي على - لم يكن في طبعه النجدة والشهامة، وفى غريزته الدفع والحماية (1) ".
" ولم نرد بهذا الكلام تنقص على رحمه الله، ولا إخراجه من الغناء واحتمال المكروه (2) ".
" والعجب إن كان كما تزعمون، كيف لم يبصق على أبى موسى فيجذمه، أو على جيش صفين فيهزمه؟! بل كان على أظهر سلما، وأرجح وأشد ورعا، وأكثر فقها وأبين فضلا، من أن يدعى هذا وشبهه (3).
ومدار الكلام في هذا كله على " الإمامة " فالنزاع بين الفريقين يطوف ما يطوف ثم يأوى إلى هذا المعنى الديني السياسي.
وفى ذلك يقول الجاحظ (4): " ولكن كتابي هذا لم يوضع إلا في الإمامة.
ولربما ذكرت من المقالة والملة والنحلة التي تعرض في الإمامة صدرا، طلبا للتمام وتعريفا لوجوه الإمامة وما دخل فيها ".
متى ألف الجاحظ كتاب العثمانية:
نستطيع أن نجعل حدا لتأليف هذا الكتاب قبل سنة 240، وهى السنة التي توفى فيها أبو جعفر الإسكافي (5). فقد ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة أن أبا جعفر الإسكافي نقض كتاب العثمانية على أبى عثمان الجاحظ (في حياته). وذكر