فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٢٨٧
معه حتى قدموا الفيوم وأوسقوا الجمال والبغال وأرادوا الرجوع إلى أرض البهنسا حتى وصلوا إلى دير هناك في الجبل قال هذا ما جرى لهؤلاء وأما عيون البطليوس فأخبروه بذلك فاستدعى ببطريق من أصحاب السرير اسمه ميخائيل بن بطرس وكان معروفا بالشدة والبراعة وأمره أن يأخذ معه ألفا من الروم وينطلقوا إلى طريق الفيوم ويكمنوا لهم في الدير ثم يخرجوا عليهم فخرجوا من باب السرب واحدا بعد واحد في ظلام الليل وساروا حتى وصلوا إلى دير وكمنوا هناك حتى رأوا المسلمين فخرجوا عليهم فالتقى الجمعان واصطدم الفريقان وقاتلت المسلمون قتالا شديدا قال الراوي حدثنا أبو محمد البدوي حدثنا أبو العلاء المحاربي قال شداد بن أوس وكان في خيل مياس لما التقى الجمعان وأحاطت بنا أعداء الله وظننا أن المحشر من ذلك المكان ووطنا أنفسنا على الموت وقاتل الأمير مياس بعد أن سلم الراية لولده منيع فقاتل حتى قتل ثم قاتل من بعده مازن حتى قتل ولم تكن غير ساعة حتى قتل من المسلمين نحو مائة فارس وأسروا الباقين قال وكان في القوم عبد الله بن أنيس الجهني رضي الله عنه أحد سعاة النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى ذلك خرج كالريح الهبوب وقام يجري وكان قد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعمرو بن أمية الضمري بالقوة والبركة في المشي وكانا لا تدركهما الخيل العتاق ولا النجب السوابق فسار حتى أشرف على العسكر وصاح النفير النفير أركبوا يا مسلمون قال فتواثبت الفرسان اليه وسألوه فقص عليهم القصة فتواثب المسلمون إلى خيولهم فركبوها وكل يقول أنا أمضي فعندها استدعى الأمير عياض بعبد الله بن جعفر الطيار أخي علي بن أبي طالب وضم اليه ألف فارس من الصحابة رضي الله عنهم من أهل الشدة وساروا أول الليل ومعهم رجل من المعاهدين يدلهم إلى أن قربوا من قرية هناك بسفح الجبل فكمنوا هناك إلى أن جن الليل إذ سمعوا حوافر الخيل فتواثبوا إلى خيولهم فركبوها وإذا بالروم أقبلوا عليهم والأسارى معهم موثوقون بالحبال على ظهور خيولهم وكانت ليلة مقمرة فصاحت المسلمون بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير وحمل القوم واقتتلوا قتالا شديدا فعندها صاح عبد الله بن جعفر رضي الله عنه يا قوم أيعجز أحدكم عن خصمه قال فتواثب الامراء والسادات رضي الله عنهم يقتلون ويأسرون وبادر عبد الله بن جعفر إلى مقدم الجيش لعنة الله وكان عليه درع مصفح فطعنه في صدره طعنة قرشية هاشمية فأطلع السنان يلمع من ظهره وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار فلما رأى الروم ذلك انهزموا وتبعهم المسلمون يقتلون وياسرون وينهبون فما أصبح الصباح حتى قتل منهم نحو خمسمائة
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»