(تغر بنيها بالمنى فتقودهم * إلى قعر مهواة بها المرء يوضع) (فكم أهلكت في حبها من متيم * ولم يحظ منها بالمنى فيمتنع) (تمنيه بالآمال في نيل وصلها * وعن غيه في حبها ليس ينزع) (أضاع بها عمرا له غير راجع * ولم ينل الأمر الذي يتوقع) (فصار لها عبدا لجمع حطامها * ولم يهن فيها بالذي كان يجمع) (ولو كان ذا عقل لاغنته بلغة * من العيش في الدنيا ولم يك يجشع) (إلى أن توافيه المنية وهو بالقناعة * فيها آمن لا يروع) (مصائبها عمت فليس بمفلت * شجاع ولا ذو ذلة ليس يدفع) (ولا سابح في قعر بحر وطائر * يدوم في بوح الفضاء فينزع) (ولا ذو امتناع في بروج مشيدة * لها في ذرى جو السماء ترفع) (أصارته من بعد الحياة بوهدة * له من ثراها آخر الدهر مضجع) (تساوى بها من حل تحت صعيدها * على قرب عهد بالممات وتبع) (فسيان ذو فقر بها وذوو الغنى * وذو لكن عند المقال ومصقع) (ومن لم يخف عند النوائب حتفه * وذو جبن خوفا من الموت يسرع) (وذو جشع يسطو بناب ومخلب * وكل بغاث ذلة ليس يمنع) (ومن ملك الآفاق بأسا وشدة * ومن كان فيها بالضروري يقنع) (ولو كشف الأجداث معتبرا لهم * لينظر آثار البلى كيف تصنع) (لشاهد إحداقا تسيل وأوجها * معفرة في الترب شوها تفزع) (غدت تحت أطباق الثرى مكفهرة * عبوسا وقد كانت من البشر تلمع) (فلم يعرف المولى من العبد فيهم * ولا خاملا من نابه يترفع) (وأنى له علم بذلك بعدما * تبين منهم ما له العين تدمع) (رأى ما يسوء الطرف منهم وطالما * رأى ما يسر الناظرين ويمتع) (رأى أعظما لا تستطيع تماسكا * تهافت من أوصالها وتقطع) (مجردة من لحمها فهي عبرة * لذي فكرة فيما له يتوقع) (تخونها مر الليالي فأصبحت * أنابيب في أجوافها الريح تسمع) (إلى أجنة مسودة وجماجم * مطأطأة من ذلة ليس ترفع) (أزيلت عن الأعناق فهي نواكس * على الترب من بعد الوسائد توضع) (علاها ظلاما للبلى ولطالما * غدا نورها في حندس الليل يسطع) (كأن لم يكن يوما علا مفرقا لها * نفائس تيجان ودر مرصع)
(٦٧٧)