عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥١٥
أهل الأندلس والطارئين عليها ديوان شعره رسالة في الموسيقى كتاب في الهندسة رسالة في العمل بالإسطرلاب كتاب تقويم منطق الذهن ابن باجة هو أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ ويعرف بابن باجة من الأندلس وكان في العلوم الحكمية علامة وقته وأوحد زمانه وبلي بمحن كثيرة وشناعات من العوام وقصدوا هلاكه مرات وسلمه الله منهم وكان متميزا في العربية والأدب حافظا للقرآن ويعد من الأفاضل في صناعة الطب وكان متقنا لصناعة الموسيقى جيد اللعب بالعود وقال أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الإمام في صدر المجموع الذف نقله من أقاويل أبي بكر محمد بن الصائغ بن باجة ما هذا مثاله هذا مجموع ما قيد من أقوال أبي بكر بن الصائغ رحمه الله في العلوم الفلسفية وكان ذا ثقابة الذهن ولطف الغوص على تلك المعاني الشريفة الدقيقة أعجوبة دهره ونادرة الفلك في زمانه فإن هذه الكتب كانت متداولة بالأندلس من زمان الحكم مستجلبها ومستجلب غرائب ما صنف بالمشرق ونقل من كتب الأوائل وغيرها نصر الله وجهه وتردد النظر فيها فما انتهج فيها الناظر قبله سبيلا وما تقيد عنهم فيها إلا ضلالات وتبديل كما تبدد عن ابن حزم الإشبيلي وكان من أجل نظار زمانه وأكثرهم لمن تقدم عل إثبات شيء من خواطره وكان أحسن منه نظرا وأثقب لنفسه تمييزا وإنما انتهجت سبل النظر في هذه العلوم بهذا الحبر وبمالك بن وهيب الأشبيلي فإنهما كانا متعاصرين غير أن مالك لم يقيد عنه إلا قليل نزر في أول الصناعة الذهنية وأضرب الرجل عن النظر ظاهرا في هذه العلوم وعن التكلم فيها لما لحقه من المطالبات في دمه لسببها ولقصده الغلبة في جميع محاوراته في فوز المعارف وأقبل على العلوم الشرعية فرأس فيها أو زاحم ذلك لكنه لم يلوح على أقواله ضياء هذه المعارف ولا قيد فيها باطنا شيئا ألفي بعد موته وأما أبو بكر فنهضت به فطرته الفائقة ولم يدع النظر والتنتيج والتقييد لكل ما ارتسمت حقيقته في نفسه على أطوار أحواله وكيفما تصرف به زمنه وأثبتت في الصناعة الذهنية في أجزاء العلم الطبيعي ما يدل على حصول هاتين الصناعتين في نفسه صورة ينطق عنها ويفصل ويركب فيها فعل المستولي على أمدها وله تعاليق في الهندسة وعلم الهيئة تدل على بروعه في هذا الفن وأما العلم الإلهي فلم يوجد في تعاليقه شيء مخصوص به اختصاصا تاما إلا نزعات تستقرأ من قوله في رسالة الوداع واتصال الإنسان بالعقل الفعال وإشارات مبددة في أثناء أقاويله لكنها في غاية القوة والدلالة على نزوعه في ذلك العلم الشريف الذي هو غاية العلوم ومنتهاها وكل ما قبله من المعارف فهو من أجله وتوطئة له ومن المستحيل أن ينزع في التوطئات وتنفصل له أنواع الوجود على كمالها ويكون مقصرا في العلم الذي هو
(٥١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 ... » »»