من أين لك هذا قال من الناس الكرام ثم حدث أنه صار إلى أبي من أم جعفر زبيدة في ثلاث مرات ثلاثمائة ألف دينار بثلاث شكايات عالجها فيها واحدتها أنها شكت عارضا في حلقها منذرة بالخناق فأشار إليها بالفصد والتطفئة والتغدي بحشو وصفه فاحضر على نسخته في غضارة صينية عجيبة الصفة وفيها هذه الملعقة فغمزني أبي على رفعها ففعلت ولففتها في طيلساني وجاذبنيها الخادم فقالت له لاطفه ومره بردها وعوضه منها عشرة آلاف دينار فامتنعت وقال أبي يا ستي إن ابني لم يسرق قط فلا تفضحيه في أول كراته لئلا ينكسر قلبه فضحكت ووهبتها له وسئل عن الأخرتين فقال إنها اشتكت إليه النكهة بإخبار إحدى بطانتها إياها وذكرت أن الموت أسهل عليها من ذلك فجوعها إلى العصر وأطعمها سمكا ممقورا وسقاها دردي نبيذ دقل بإكراه فغثت نفسها وقذفت وكرر ذلك عليها ثلاثة أيام ثم قال لها تنكهي في وجه من أخبرك بذلك واستخبريه هل زال والثالثة أنها أشرفت على التلف من فواق شديد يسمع من خارج الحجرة فأمر الخدم بإصعاد خوابي إلى سطح الصحن وتصفيفها حوله على الشفير وملأها ماء وجلس خادم خلف كل جب حتى إذا صفق بيده على الأخرى دفعوها دفعة إلى وسط الدار ففعلوا وارتفع لذلك صوت شديد أرعبها فوثبت وزايلها الفواق قال أبو علي القياني حدثني أبي قال دخلت يوما إلى بختيشوع وكان من أيام الصيف وجلست فإذا هو قد رفع طرفه إلى خادمه وقال له هات فجاء بقدح فيه نحو نصف رطل شراب عتيق وعلى طرف خلالة ذهب شيء أسود فمضغه ثم شرب الشراب عليه وصبر ساعة فرأيت وجهه يتقد كالنار ثم دعا بأطباق فيها خوخ جبلي في نهاية الحسن فأقبل يقطع ويأكل حتى انتهى وسكن تلهبه وعاد وجهه إلى حاله فقلت له حدثني بخبرك فقال اشتهيت الخوخ شهوة شديدة وخفت ضررها فاستعملت الترياق والشراب حتى نقرت الحجر ليجيد الطحن وقال أبو علي القياني عن أبيه قال حدثني محمد بن داود بن الجراح قال كان بختيشوع الطبيب صديقا لأبي وكان لنا نديم كثير الأكل عظيم الخلق فكان كلما رآه قال له أريد أن تركب لي شربة وأبرمه إلى أن وصف له دواء فيه شحم الحنظل وسقمونيا وقال بختيشوع لأبي ملاك الأمر كله أن يأكل أكلا خفيفا ويضبط نفسه فيما بعد عن التخليط فأطعم يوم الحمية في دارنا واقتصر على اسفيدباج من ثلاثة أرطال خبز فلما استوفى ذلك طلب زيادة عليه فمنع واعتقله أبي عنده إلى آخر الأوقات ووجه إلى امرأته يوصيها أن لا تدع شيئا يؤكل في داره ولما علم أن الوقت قد ضاق عليه أطلقه إلى منزله فطلب من امرأته شيئا يأكله فلم يجد عندها شيئا وكانت قد أغفلت برنية فيها فتيت على الرف فوجده وأخذ منه أرطالا ثم أصبح وأخذ الدواء فتحير وورد على المعدة وهي ملأى فلم يؤثر وتعالى النهار فقال قد خرف بختيشوع وعمد إلى عشرة أرطال لحم شرائح فأكلها مع
(٢٠٨)