وخذ حجتي في ترك جيبي سالما * وقلبي، ومن حقيهما أن يشققا يدي ضعفت عن أن تمزق جيبها * وما كان قلبي حاضرا فيمزقا وأبو بكر الخوارزمي: طبري الأب من طبرستان آمل، خوارزمي الام، فنسب إلى البلدتين جميعا، وهو يذكر ذلك في " رسائله " وليس من طبرية الشام، غير أنه أقام بالشام مدة: بحلب ونواحيها.
وأبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري، من ساكني بغداد، استوطنها إلى حين وفاته، وكان أحد الأئمة العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين في الاحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في " تاريخ الأمم والملوك " وكتاب في " التفسير " لم يصنف أحد مثله، وكتاب سماه " تهذيب الآثار " لم ير سواه في معناه إلا أنه لم يتمه، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه، وله رحلة إلى الحجاز والشام ومصر، سمع محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وأحمد بن منيع البغوي، ومحمد بن حميد الرازي، وأبا همام الوليد بن شجاع، وأبا كريب محمد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأبا سعيد الأشج، وعمرو بن علي، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى البصريين، وخلقا كثيرا نحوهم. روى عنه القاضي أبو بكر أحمد بن كامل الشجري، وأبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، ومخلد بن جعفر، وأبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان الحيري وغيرهم.
وحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة! وقال أبو حامد الأسفرايني: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب " تفسير محمد بن جرير " لم يكن ذلك كثيرا. وقال يوما أبو جعفر الطبري لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟
قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثين ألف ورقة! فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه!
فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قال: هل تنشطون تاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحوا مما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا لله ماتت الهمم! فاختصره في نحو ما اختصر من التفسير. قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة. وكانت