الإصابة - ابن حجر - ج ١ - الصفحة ٧٣
قال الشيخ: ولا بدلنا ان نعرض لهذه الشبهة التي أثاروها ونفندها:
- زعموا ان علمه الواسع بالأحاديث اثار أشك في نفوس الذين اخذوا عنه مباشرة فلم يترددوا في التعبير عن شكوكهم بأسلوب ساخر، وأحالوا القارئ على البخاري في كتاب " فضائل الأصحاب " رقم 11 يريدون بذلك حديث أبي هريرة ان الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة، واني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطني حتى لا آكل الخمير، ولا البس الحبير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة ومنا الصق بطني بالحصباء من الجوع. الحديث.
والمنصف يرى من هذا الأثر ان بعض الناس قال: أكثر أبو هريرة تعجبا من كثرة حفظه وروايته، وقد أظهر لهم السبب في كثرة روايته وحفظه وهو انه كان الزم الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانه ما كان يعنيه الغني، وانما كان يعنيه الاخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يلصق بطنه بالحصباء من الجوع، وما كان يشغله عن رسول الله تجاره ولا زراعة، فحفظ ما لم يحفظوا وسمع ما بم يسمعوا، فلما كان ينبغي ان يأخذوا من تركهم إياه يحدث بعد ذلك مدة عمره - وقد عمر - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من خمسين سنة انهم اقتنعوا بتعليله، وزال هذا الشك من نفوسهم، إذ لو كانوا يرون في حدثه بأسا لكفوه عن التحديث، وهم من تعلم في المحافظة على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والخوف ان يتسع الناس فيه، ويدخله التدليس والكذب.
2 - واما زعمهم ان روايته ضمنها أتفه الأشياء بأسلوب مؤثرة، وذلك يدل على ما امتاز به من روح المزاح، الامر الذي كان سببا في ظهور من القصص عزوهم ذلك إلى ابن قتيبة، فليس شئ أوغل في التضليل والايهام من هذا - نحن لا ندري ما هي هذه الأحاديث التي زعموها، وكان يجب عليهم ان يبينوها لنا لنناقشهم فيها، وكان يجب عليهم أيضا إذ عزوا لابن قتيبة ان يذكروا اسم ذلك الكتاب قان لابن قتيبة مؤلفات كثيرة، طبع منها كثير، انهم لو فعلوا ذلك لكنا نبين لهم ان ما في ابن قتيبة ليس كما فهموه، إذ لا يعقل ان يثنى ابن قتيبة أثناء المستطاب على أبي هريرة في كتابه " تأويل مختلق الحديث "، ثم هو ينسب إليه ما ذكره أصحاب الدائرة، عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم واعد لهم عذاب عظيما.
3 - واما ما نقلوه من وصف (شيرنجير) لأبي هريرة من أنه المتطرف في الاختلاق ورعا، فلسنا ممن يؤمن بقول (شيرنجر) وغير (شيرنجير) من المتطرفين في الاختلاق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تضليلا للمسلمين وتشويشا على الدين، وايذاء للحقيقة، سترا للواقع.
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»