الإصابة - ابن حجر - ج ١ - الصفحة ٣
بسم الله الرحمن الرحيم يقول أهل الأدب: أعذب الشعر أكذبه، كقول المتنبي في مدح سيف الدولة (الوافر):
فان تفق الأنام وأنت منهم * فان المسك بعض دم الغزال فقد رفع سيف الدولة إلى درجة الأنبياء والمرسلين دون سواهم، وهو كذب طريف مأجور في الدنيا وكقول الاخر (البسيط):
ليت الكواكب تدنو لي فانظمها * عقود مدح فما أرضى لكم كلمي فقد حرج به شيطان الشعر كما يقولون عن حدود العلم والعقل معا ولا حجر عليه ما دام لشيطان الشعر عنده ميدانه الذي لا يتعداه إلى المساس باعراض الناس وشرفهم أو الكذب على الله ورسوله أو الفجر في الخصومة بالتفحش والهجاة المسئ. كالمنافقين والزنادقة وأهل السوء.
وان من أفحش الذنوب في الاسلام ان تحدث انسانا بحديث هو لك مصدق وأنت عليه كاذب ولا يعرف الكذب سبيله إلى المؤمنين يقول سبحانه (يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وقد تغلبت أبرز صفات المصطفى صلى الله عليه وسلم على اسمه فعرف في قومه قبل الاسلام بالصادق الأمين ولورثة الهدي النبوي الشريف من حملة السنة المطهرة وقمم أهل الفضل والأمانة والدين من أئمة الجرح والتعديل ولا نزكي على الله أحدا لهم في هذا المقام مقاييس غاية في الدقة والحساسية يرفضون الكذب ولو على الدابة ولو مزاحا، تهتز الثقة في صاحبه ويعد ساقط المروءة ولا يقبل عن مثله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن سخرية القدر باعداة النور ان يعمي الله أبصارهم عن شعاعه، لهم عيون لا يبصرون بها فلا يدرون عن قيم الاسلام الشامخات شيئا بل واجترؤوا عليه بكل نقيصة تنضح بها أوعيتهم وأحقادهم القديمة (بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط).
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»