سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢٣ - الصفحة ٣٧٩
ومن عجب أني لدى البحر واقف * وأشكو الظما والبحر جم عجائبه وغير ملوم من يؤمك قاصدا * إذا عظمت أغراضه ومذاهبه فوقعت الأبيات من الخليفة بموقع، وأدخل ليلا، ووانسه وذاكره، وأخرج سرا رعاية لخاطر الكامل. ثم حضر الناصر درس المستنصرية، فبحث وناظر والخليفة في منظرته، فقام الوجيه القيرواني ومدح الخليفة بأبيات منها:
لو كنت في يوم السقيفة حاضرا * كنت المقدم والامام الأورعا فقال الناصر: أخطأت، قد كان العباس جد أمير المؤمنين حاضرا ولم يكن المقدم إلا أبو بكر الصديق، فأمر بنفي الوجيه فسافر وولي بمصر تدريسا، ثم خلعوا على الناصر وحاشيته، وجاء معه رسول الديوان فألبسه الخلعة بالكرك، وركب بالنسجق الخليفتي وزيد في لقبه: " الولي المهاجر "، ثم راسله الكامل والأشرف لما اختلفا، وطلب كل منهما أن يؤازره، وجاءه في الرسلية من مصر القاضي الأشرف فرجع جانب الكامل، ثم توجه إليه فبالغ في تعظيمه وأعاد إلى عصمته ابنته عاشوراء وأركبه في دست السلطنة، فحمل له الغاشية الملك العادل ولد الكامل ووعده بأخذ دمشق من الأشرف وردها إليه.
ولما مات الكامل بدمشق ما شك الناس أن الناصر يملكها، فلو بذل ذهبا لاخذها، فسلطنوا الجواد، ففارق الناصر البلد وسار إلى عجلون، وندم فجمع وحشد واستولى على كثير من الساحل، فالتقاه الجواد بقرب جنين فانكسر الناصر وذهبت خزائنه، وطلع إلى الكرك. ثم إن الجواد تماهن وأعطى دمشق للصالح، وجرت أمور وظفر الناصر بالصالح، وبقي في قبضته أشهرا، ثم ذهب معه على عهود ومواثيق فملكه مصر ولم يف له الصالح عجزا
(٣٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 » »»