سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢١ - الصفحة ٢٨٢
وركب السلطان إلى مخيمه، ودمه يسيل على خده، واحتجب في بيت خشب، وعرض جنده، فمن أنكره، أبعده.
قال الموفق عبد اللطيف: أتيت، وصلاح الدين بالقدس، فرأيت ملكا يملا العيون روعة، والقلوب محبة، قريبا بعيدا، وسهلا، محببا، وأصحابه يتشبهون به، يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا) * [الحجر: 47] وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حفلا بأهل العلم يتذاكرون، وهو يحسن الاستماع والمشاركة، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار، وحفر الخنادق، ويأتي بكل معنى بديع، وكان مهتما في بناء سوربيت المقدس وحفر خندقه، ويتولى ذلك بنفسه، وينقل الحجارة على عاتقه، ويتأسى به الخلق حتى القاضي الفاضل، والعماد إلى وقت الظهر، فيمد السماط، ويستريح، ويركب العصر، ثم يرجع في ضوء المشاعل، قال له صانع: هذه الحجارة التي تقطع من أسفل الخندق رخوة، قال: كذا تكون الحجارة التي تلي القرار والنداوة، فإذا ضربتها الشمس، صلبت. وكان يحفظ (الحماسة)، ويظن أن كل فقيه يحفظها، فإذا أنشد، وتوقف، استطعم فلا يطعم، وجرى له ذلك مع القاضي الفاضل، ولم يكن يحفظها، وخرج، فما زال حتى حفظها، وكتب لي صلاح الدين بثلاثين دينارا في الشهر، وأطلق أولاده لي رواتب، فأشغلت بجامع دمشق.
وكان أبوه ذا صلاح، ولم يكن صلاح الدين بأكبر أولاده.
وكان صلاح الدين شحنة دمشق، فكان يشرب الخمر، ثم تاب، وكان محببا إلى نور الدين يلاعبه بالكرة.
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»