سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٧ - الصفحة ٥٣٢
مع ذلك أختلف إلى الفقه، وأناظر ولي ست عشرة سنة.
ثم قرأت جميع الفلسفة، وكنت كلما أتحير في مسألة، أو لم أظفر بالحد الأوسط في قياس، ترددت إلى الجامع، وصليت، وابتهلت إلى مبدع الكل حتى فتح لي المنغلق منه، وكنت أسهر، فمهما غلبني النوم، شربت قدحا. إلى أن قال: حتى استحكم معي جميع العلوم، وقرأت الكتاب " ما بعد الطبيعة "، فأشكل علي حتى أعدت قراءته أربعين مرة، فحفظته ولا أفهمه، فأيست. ثم وقع لي مجلد لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب " ما بعد الحكمة الطبيعية " (1)، ففتح علي أغراض الكتب، ففرحت، وتصدقت بشئ كثير.
واتفق لسلطان بخارى نوح مرض صعب، فأحضرت مع الأطباء، وشاركتهم في مداواته، فسألت إذنا في نظر خزانة كتبه، فدخلت فإذا كتب لا تحصى في كل فن، فظفرت بفوائد. إلى أن قال: فلما بلغت ثمانية عشر عاما، فرغت من هذه العلوم كلها، وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ، ولكنه معي اليوم أنضج، وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي شئ، وصنفت " المجموع "، فأتيت فيه على علوم، وسألني جارنا أبو بكر البرقي وكان مائلا إلى الفقه والتفسير والزهد، فصنفت له " الحاصل والمحصول " في عشرين مجلدة، ثم تقلدت شيئا من أعمال السلطان، وكنت بزي الفقهاء إذ ذاك، بطيلسان محنك، ثم انتقلت إلى نسا، ثم أبا ورد (2) وطوس

(١) في " طبقات الأطباء " و " الوافي بالوفيات ": " ما بعد الطبيعة " وهو الذي ذكره المؤلف آنفا.
(2) ويقال لها: أبيورد أيضا، وهو الأشهر.
(٥٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 537 ... » »»