سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٦ - الصفحة ٤٠٥
فتفقه به الأستاذ أبو حامد الأسفراييني وجماعة. وانتهى إليه معرفة المذهب. وله وجوه معروفة، منها: أنه لا يجوز السلم في الدقيق (1).
وكان أبو حامد يقول: ما رأيت أفقه منه.
قال ابن خلكان: كان يتهم بالاعتزال، وكان ربما يختار في الفتوى (2)، فيقال له في ذلك، فيقول: ويحكم! [حدث] فلان عن فلان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، والاخذ بالحديث أولى من الاخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة (3).
قلت: هذا جيد، لكن بشرط أن يكون قد قال بذلك الحديث إمام من نظراء هذين الامامين مثل مالك، أو سفيان، أو الأوزاعي، وبأن يكون الحديث ثابتا سالما من علة، وبأن لا يكون حجة أبي حنيفة والشافعي حديثا صحيحا معارضا للآخرة. أما من أخذ بحديث صحيح وقد تنكبه سائر أئمة الاجتهاد، فلا، كخبر: " فإن شرب في الرابعة فاقتلوه " (4)، وكحديث " لعن الله السارق، يسرق البيضة،

(1) قال النووي: " ومن غرائب الداركي أنه قال: لا يجوز السلم في الدقيق. حكاه الرافعي، والمشهور الجواز ". انظر " تهذيب الأسماء واللغات ": 2 / 264.
(2) لفظ ابن خلكان: " وربما افتى على خلاف مذهب الامامين الشافعي وأبي حنيفة.. " (3) " وفيات الأعيان ": 3 / 189، وما بين حاصرتين منه.
(4) حديث صحيح، وقد تقدم تخريجه، والجمهور من أهل العلم على أنه منسوخ، فقد فقال الترمذي في سننه 4 / 49 بعد الحديث رقم (1444): وإنما كان في أول الأمر، ثم نسخ بعد، هكذا روى محمد بن إسحاق، عن محمد المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن شرب الخمر، فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة، فاقتلوه " قال: ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة، فضربه، ولم يقتله، وكذا روى الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، قال: فرفع القتل، وكان رخصة، والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك، في القديم والحديث، ومما يقوي هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه كثيرة أنه قال: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث:
النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه ".
(٤٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 ... » »»