قال: فأما أبو الحسين فإنه كان من الصالحين المجتهدين بالعبادة، قرأ القرآن على أبي بكر بن مجاهد، ثم سرد شيوخه، ثم قال: صنف العلل والشيوخ والأبواب، وكان يمتنع وهو كهل عن الرواية، فلما بلغ الثمانين لازمه أصحابنا الليل والنهار، حتى سمعوا كتاب " العلل " وهو نيف وثمانون جزءا، والشيوخ وسائر المصنفات، صحبته نيفا وعشرين سنة بالليل والنهار، فما أعلم أن الملك كتب عليه خطيئة، وكنت أسمع أبا علي الحافظ غير مرة، يقول: " لم يجئ عفان "، و " قلت لعفان "، " وقال لي عفان "، يريد به أبا الحسين، يلقبه بذلك لحفظه وإتقانه وفهمه، ولعمري إنه عفان، فإن فهمه كان يزيد على حفظه.
وحدثنا أبو علي الحافظ في مجلس إملائه، قال: حدثني أبو الحسين ابن يعقوب وهو أثبت من حدثتكم عنه اليوم، أخبرنا الأصبغ بن خالد القرقساني أن عثمان بن يحيى القرقساني حدثهم، حدثنا مؤمل، حدثنا إبراهيم بن يزيد، أخبرنا عمرو بن دينار، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:
" ما غبطت نفسي بمجلس ساعة كمجلس جلسته إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتظر لصلاة الصبح، ورهط بناحية يمترون في القرآن، حتى علت أصواتهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم مغضبا، فقال في طرف ثوبه على وجهه: " يا أيها الناس إنما هلكت الأمم قبلكم على مثل هذا، وإنما نزل الكتاب يصدق بعضه بعضا، ولم ينزل يكذب بعضه بعضا، فما استنص لكم منه فاعرفوه، وما اشتبه عليكم فردوا علمه إلى الله عز وجل " (1).