سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٥ - الصفحة ٥٠٧
قال أبو جعفر بن عون الله: سمعته يقول: لا عانق الابكار [في جنات النعيم] والناس غدا في الحساب إلا من عانق الذل، وضاجع الصبر، وخرج منها كما دخل فيها (1). ما رزق امرؤ مثل عافية، ولا تصدق بمثل موعظة، ولا سأل مثل مغفرة.
وعن خالد بن سعيد، قال: قيل: إن أبا وهب عباسي، وكان لا ينتسب، وكان صاحب عزلة، باع ما عونه قبل موته. فقيل: ما هذا؟ قال:
أريد سفرا، فمات بعد أيام يسيرة (2).
وعن ابن حفصون، قال: قلت لأبي وهب: تعلم أني كبير الدار، فاسكن معي، وأخدمك وأشاركك في الحلو والمر، قال: لا أفعل، إني طلقت الدنيا بالأمس، أفأراجعها اليوم؟ فالمطلق إنما يطلق المرأة بعد سوء خلقها، وقلة خيرها، وليس في العقل الرجوع إلى مكروه، وفي الحديث " لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين " (3).
وقال فقير: فقد قلت ليلة لأبي وهب: قم بنا لزيارة فلان، قال:
وأين العلم؟ ولي الأمر له طاعة، وقد منع من المشي ليلا.
قال يونس بن مغيث: طرأ أبو وهب إلى قرطبة، وكان جليلا في الخير والزهد. يقال: إنه من ولد العباس، وكان يقصده الزهاد ويألفونه، وإذا جاءه من ينكر من الناس تباله وتوله، وإذا قيل له: من أين أنت؟ قال: أنا

(1) " النجوم الزاهرة ": 3 / 330، وما بين حاصرتين منه.
(2) " المغرب في حلي المغرب ": 1 / 58.
(3) أخرجه البخاري 10 / 439 في الأدب، ومسلم (2998) في الزهد والرقائق، كلاهما في باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، من حديث أبي هريرة، ومعنى الحديث: أن المؤمن الممدوح هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من ناحية الغفلة مرة بعد أخرى وهو لا يشعر.
(٥٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 ... » »»