سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٤ - الصفحة ٤٩٩
بنحو الكوفيين، صنف فيه، وكان واسع الحفظ للاخبار والسير والتفسير والشعر، وكان خطيبا مفوها، شاعرا لسنا، ذا حظ من الترسل والبلاغة، ورعا، متخشنا في الحكم، وقد ولي قضاء هيت (1) والأنبار في سنة ست وسبعين، ثم قضاء بعض الجبل.
قال القاضي أبو نصر يوسف بن عمر: كنت أحضر دار المقتدر مع أبي وهو ينوب عن والده أبي عمر القاضي، فكنت أرى أبا جعفر القاضي يأتيه أبي فيجلس عنده، فيتذكران حتى يجتمع عليهما عدد من الخدم، فسمعت أبا جعفر يقول: أحفظ [لنفسي من شعري] خمسة عشر ألف بيت (2)، وأحفظ للناس أضعاف ذلك.
وقال القاضي أبو طالب محمد بن القاضي أبي جعفر: كنت مع أبي في جنازة، وإلى جانبه أبو جعفر الطبري، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة ويسليه، فداخله الطبري في ذلك وذنب (3) معه، ثم اتسع الامر بينهما، وخرجا إلى فنون أعجبت من حضر، وتعالى النهار، فلما قمنا قال لي: يا بني! من هذا الشيخ؟ قلت: هذا محمد بن جرير الطبري، فقال: إنا لله! ما أحسنت عشرتي، ألا قلت لي، فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة؟

(1) قال ابن السكيت: سميت " هيت " لأنها في هوة من الأرض، انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، قال رؤبة:
في ظلمات تحتهن هيت أي هوة من الأرض. وذكر أهل الأثر أنها سميت باسم بانيها وهو هيت بن السبندى..
وهي بلدة على الفرات من نواحي بغداد، فوق الأنبار، ذات نخل كثير، وخيرات واسعة، وبها قبر عبد الله بن المبارك رحمه الله. انظر " معجم البلدان " 5 / 420 421.
(2) في الأصل: خمسة عشر ألف حديث، وما أثبتناه من " تاريخ بغداد " 4 / 32، و " معجم الأدباء " 2 / 141.
(3) كذا الأصل، وفي " تاريخ بغداد ": دأب.
(٤٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 504 ... » »»