بنحو الكوفيين، صنف فيه، وكان واسع الحفظ للاخبار والسير والتفسير والشعر، وكان خطيبا مفوها، شاعرا لسنا، ذا حظ من الترسل والبلاغة، ورعا، متخشنا في الحكم، وقد ولي قضاء هيت (1) والأنبار في سنة ست وسبعين، ثم قضاء بعض الجبل.
قال القاضي أبو نصر يوسف بن عمر: كنت أحضر دار المقتدر مع أبي وهو ينوب عن والده أبي عمر القاضي، فكنت أرى أبا جعفر القاضي يأتيه أبي فيجلس عنده، فيتذكران حتى يجتمع عليهما عدد من الخدم، فسمعت أبا جعفر يقول: أحفظ [لنفسي من شعري] خمسة عشر ألف بيت (2)، وأحفظ للناس أضعاف ذلك.
وقال القاضي أبو طالب محمد بن القاضي أبي جعفر: كنت مع أبي في جنازة، وإلى جانبه أبو جعفر الطبري، فأخذ أبي يعظ صاحب المصيبة ويسليه، فداخله الطبري في ذلك وذنب (3) معه، ثم اتسع الامر بينهما، وخرجا إلى فنون أعجبت من حضر، وتعالى النهار، فلما قمنا قال لي: يا بني! من هذا الشيخ؟ قلت: هذا محمد بن جرير الطبري، فقال: إنا لله! ما أحسنت عشرتي، ألا قلت لي، فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة؟