سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٢ - الصفحة ٦٨
قال أبو العرب عمن حدثه: كان الذين يحضرون مجلس سحنون من العباد أكثر من الطلبة، كانوا يأتون إليه من أقطار الأرض. ولما ولي سحنون القضاء بأخرة عوتب، فقال: ما زلت في القضاء منذ أربعين سنة، هل الفتيا إلا القضاء (1)؟!..
قيل: إن الرواة عن سحنون بلغوا تسع مئة.
وأصل " المدونة " أسئلة. سألها أسد بن الفرات لابن القاسم. فلما ارتحل سحنون بها عرضها على ابن القاسم، فأصلح فيها كثيرا، وأسقط، ثم رتبها سحنون، وبوبها. واحتج لكثير بن مسائلها بالآثار من مروياته، مع أن فيها أشياء لا ينهض دليلها، بل رأي محض. وحكوا أن سحنون في أواخر الامر علم عليها، وهم بإسقاطها وتهذيب " المدونة "، فأدركته المنية رحمه الله. فكبراء المالكية، يعرفون تلك المسائل، ويقررون منها ما قدروا عليه، ويوهنون ما ضعف دليله. فهي لها أسوة بغيرها من دوواين الفقه. وكل أحد فيؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب ذاك القبر صلى الله عليه وسلم تسليما. فالعلم بحر بلا ساحل، وهو مفرق في الأمة، موجود لمن التمسه.
وتفسير سحنون بأنه اسم طائر بالمغرب (2)، يوصف بالفطنة والتحرز، وهو بفتح السين وبضمها.

(1) ثمت فرق بين الفتيا والقضاء، فالفتيا تبليغ محض، والقضاء إنشاء وإلزام. قال القرافي في " الفروق " 4 / 53: الفتوى والحكم كلاهما إخبار عن حكم الله تعالى، ويجب على السامع اعتقادهما، وكلاهما يلزم المكلف من حيث الجملة، لكن الفتوى إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة، والحكم إخبار معناه الانشاء والالزام من قبل الله تعالى.
(2) في " ترتيب المدارك " 2 / 586، و " الديباج المذهب " 2 / 30: لحدته في المسائل.
(٦٨)
مفاتيح البحث: نهر الفرات (1)، النهوض (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»