سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٨ - الصفحة ٢١٩
البصرة، وقال: بكروا على يزيد بن عطاء، فإنه قد أعتق أبا عوانة. قال:
فاجتمعوا إلى يزيد، وهنؤوه، فأنف من أن ينكر ذلك، فأعتقه حقيقة.
وروى أبو عمر الضرير، عن أبي عوانة، قال: دخلت على همام بن يحيى وهو مريض، أعوده، فقال لي: يا أبا عوانة، ادع الله أن لا يميتني حتى يبلغ ولدي الصغار. فقلت: إن الاجل قد فرغ منه (1)، فقال لي: أنت بعد في ضلالك.
قلت: بئس المقال هذا، بل كل شئ بقدر سابق، ولكن وإن كان الاجل قد فرغ منه، فإن الدعاء بطول البقاء قد صح. دعا الرسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه أنس بطول العمر (2)، والله يمحو ما يشاء ويثبت. فقد يكون طول العمر في

(١) هذا خطأ بلا ريب، فإن هذا المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجردا عن سببه، ولكن قدر سببه، فمتى أتى الانسان بالسبب، وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالاكل والشرب، وقدر الولد بالوطئ، وقدر حصول الزرع بالبذر، وخروج نفس الحيوان بذبحه.. والدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال: إن الاجل قد فرغ منه فلا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال، وليس شئ من الأسباب أنفع من الدعاء، ولا أبلغ في حصول المطلوب.
(٢) أخرج البخاري ١١ / ١٥٥ في الدعوات: باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة، من طريق شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أنسا رضي الله عنه قال: قالت أم سليم: أنس خادمك ادع الله له، قال: " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته "، وأخرجه مسلم (٦٦٠) باب جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات، و (٢٤٨٠) باب من فضائل أنس، والترمذي (٣٨٢٧) و (٣٨٢٨) في المناقب. وجاء عند مسلم في آخر الحديث: قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي ليتعادون على نحو المئة اليوم. وأخرج البخاري في " الأدب المفرد " (653) من طريق عارم، حدثنا سعيد بن زيد، عن سنان، قال:
حدثنا أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل علينا أهل البيت، فدخل يوما فدعا لنا فقالت أم سليم: خويدمك ألا تدعو له؟ قال: " اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفر له " فدعا له بثلاث، فدفنت مئة وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس، وأرجو المغفرة. ورجاله ثقات غير سنان بن ربيعة، فقد قال ابن عدي: له أحاديث قليلة وأرجو أنه لا بأس به، وروى له البخاري مقرونا بغيره في الصحيح، فالاسناد محتمل للتحسين، لا سيما وأن المؤلف روى في ترجمة أنس من السير 3 / 267 حديثا من طريق آخر بمعنى هذا الحديث، ونصه: حسين بن واقد، عن ثابت، عن أنس قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أكثر ماله وولده، وأطل حياته " فالله أكثر مالي حتى إن كرما لي لتحمل في السنة مرتين، وولد لصلبي مئة وستة.
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»