سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٧ - الصفحة ٣٩٥
فدخل سائل، فأعطاه ثلاثة أرغفة مع تمر، وأعطاني ثلاثة، وأكل رغيفين.
وكنت معه، فأتينا على قبر مسنم، فترحم عليه، وقال: هذا قبر حميد ابن جابر، أمير هذه المدن كلها، كان غارقا في بحار الدنيا، ثم أخرجه الله منها. بلغني أنه سر ذات يوم بشئ، ونام، فرأى رجلا بيده كتاب، ففتحه، فإذا هو كتاب بالذهب: لا تؤثرن فانيا على باق، ولا تغترن بملكك، فإن ما أنت فيه جسيم لولا أنه عديم، وهو ملك لولا أن بعده هلك، وفرح وسرور لولا أنه غرور، وهو يوم لو كان يوثق له بعد، فسارع إلى أمر الله، فإن الله قال:
* (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم، وجنة عرضها السماوات والأرض، أعدت للمتقين) *. [آل عمران: 133] فانتبه فزعا، وقال: هذا تنبيه من الله وموعظة.
فخرج من ملكه، وقصد هذا الجبل، فعبد الله فيه حتى مات.
وروي أن إبراهيم بن أدهم حصد ليلة ما يحصده عشرة، فأخذ أجرته دينارا.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن عبد الرحيم بن محمد، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا السراج: سمعت إبراهيم بن بشار يقول: قلت لإبراهيم بن أدهم: كيف كان بدء أمرك؟ قال: غير ذا أولى بك.
قال: قلت: أخبرني لعل الله أن ينفعنا به يوما. قال: كان أبي من الملوك المياسير، وحبب إلينا الصيد، فركبت، فثار أرنب أو ثعلب، فحركت فرسي، فسمعت نداء من ورائي: ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت. فوقفت أنظر يمنة ويسرة، فلم أر أحدا، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع نداء أجهر من ذلك: يا إبراهيم! ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت. فوقفت أنظر فلا أرى أحدا، فقلت: لعن الله إبليس، فأسمع نداء من قربوس (1) سرجي

(1) القربوس: هو حنو السرج. قال الأزهري: وللسرج قربوسان: فأما القربوس المقدم، ففيه العضدان، وهما رجلا السرج، ويقال لهما: حنواه... والقربوس الآخر فيه رجلا المؤخرة، وهما حنواه. (اللسان).
(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»