سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٧ - الصفحة ٢٥٠
ويمكن أن نذكر في كل طبقة بعد ذلك أئمة على هذا النمط، إلى زماننا، فرأس المحدثين اليوم أبو الحجاج القضاعي المزي (1)، ورأس الفقهاء القاضي شرف الدين البارزي، ورأس المقرئين جماعة، ورأس العربية أبو حيان الأندلسي، ورأس العباد الشيخ علي الواسطي، ففي الناس بقايا خير، ولله الحمد.
عن ابن مهدي قال: نزل عندنا سفيان وقد كنا ننام أكثر الليل، فلما نزل عندنا، ما كنا ننام إلا أقله، ولما مرض بالبطن، كنت أخدمه وأدع الجماعة، فسألته، فقال: خدمة مسلم ساعة أفضل من صلاة الجماعة، فقلت: ممن سمعت هذا؟ قال: حدثني عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: لان أخدم رجلا من المسلمين على علة يوما واحدا، أحب إلي من صلاة الجماعة ستين عاما، لم يفتني فيها التكبيرة الأولى.
قال: فضج سفيان لما طالت علته، فقال: يا موت، يا موت، ثم قال:
لا أتمناه، ولا أدعو به. فلما احتضر، بكى وجزع، فقلت له: يا أبا عبد الله!
ما هذا البكاء؟! قال: يا عبد الرحمن، لشدة ما نزل بي من الموت، الموت - والله - شديد. فمسسته، فإذا هو يقول: روح المؤمن تخرج رشحا، فأنا أرجو. ثم قال: الله أرحم من الوالدة الشفيقة الرفيقة، إنه جواد كريم، وكيف لي أن أحب لقاءه، وأنا أكره الموت. فبكيت حتى كدت أن أختنق، أخفي بكائي عنه، وجعل يقول: أوه...، أوه من الموت.
قال عبد الرحمن: فما سمعته يقول: أوه، ولا يئن، إلا عند ذهاب عقله، ثم قال: مرحبا برسول ربي، ثم أغمي عليه، ثم أسكت حتى أحدث، ثم أغمي عليه، فظننت أنه قد قضى، ثم أفاق، فقال: يا عبد الرحمن! اذهب

(1) وهو صاحب " تهذيب الكمال "، شيخ المؤلف.
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»