فتواثبا وتلبث كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران. فبلغ مالك بن أنس والمشيخة، فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان، وجعل فروخ يقول كذلك، ويقول: وأنت مع امرأتي. وكثر الضجيج، فلما أبصروا بمالك، سكت الناس كلهم. فقال مالك: أيها الشيخ: لك سعة في غير هذه الدار، فقال الشيخ: هي داري. وأنا فروخ مولى بني فلان. فسمعت امرأته كلامه، فخرجت، فقالت: هذا زوجي.
وهذا ابني الذي خلفته، وأنا حامل به، فاعتنقا جميعا، وبكيا: فدخل فروخ المنزل وقال: هذا ابني؟ قالت: نعم. قال: فأخرجي المال الذي عندك. وهذه معي أربعة آلاف دينار. قالت: المال قد دفنته، وأنا أخرجه بعد أيام.
فخرج ربيعة إلى المسجد، وجلس في حلقته، وأتاه مالك بن أنس، والحسن بن زيد، وابن أبي علي اللهبي، والمساحقي، وأشراف أهل المدينة، وأحدق الناس به.
فقالت امرأته: اخرج صل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فخرج فصلى، فنظر إلى حلقة وافرة، فأتاه فوقف عليه، ففرجوا له قليلا، ونكس ربيعة رأسه، يوهمه أنه لم يره، وعليه طويلة، فشك فيه أبو عبد الرحمن، فقال: من هذا الرجل؟ قالوا له هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن. فقال: لقد رفع الله ابني. فرجع إلى منزله، فقال لوالدته: لقد رأيت ولدك في حالة، ما رأيت أحدا من أهل العلم والفقه عليها. فقالت أمه: فأيما أحب إليك: ثلاثون ألف دينار، أو هذا الذي هو فيه من الجاه؟ قال: لا والله إلا هذا. قالت: فإني قد أنفقت المال كله عليه، قال: فوالله ما ضيعته.
قلت: لو صح ذلك، لكان يكفيه ألف دينار في السبع والعشرين سنة، بل