سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٤ - الصفحة ٥٥٥
جماعة قط إلا فرقها الله على شر حالاتهم، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه، ولو مكن الله لهم من رأيهم لفسدت الأرض، وقطعت السبل والحج، ولعاد أمر الاسلام جاهلية، وإذا لقام (1) جماعة، كل منهم يدعو إلى نفسه الخلافة، مع كل واحد منهم أكثر من عشرة آلاف، يقاتل بعضهم بعضا ويشهد بعضهم على بعض بالكفر، حتى يصبح المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله، لا يدري مع من يكون، قال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) [البقرة: 251] وقال: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا) [غافر: 51] فلو كانوا مؤمنين لنصروا، وقال: (وإن جندنا لهم الغالبون) [الصافات: 173] ألا يسعك يا ذا خولان من أهل القبلة ما وسع نوحا من عبدة الأصنام، إذ قال له قومه: (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) [الشعراء: 111] إلى أن قال: فقال ذو خولان: فما تأمرني؟ قال: انظر زكاتك فأدها إلى من ولاه الله أمر هذه الأمة، وجمعهم عليه، فإن الملك من الله وحده وبيده، يؤتيه من يشاء، فإذا أديتها إلى والي الامر برئت منها، وإن كان فضل فصل به أرحامك ومواليك وجيرانك والضيف، فقال: اشهد أني نزلت عن رأي الحرورية (2).
وفي " العقل " لابن المحبر (3) ذكر صفات حميدة للعاقل نحو من ستين سطرا فيها مئة خصلة.
وعن وهب قال: احتمال الذل خير من انتصار يزيد صاحبه قمأة (4).
وقد امتحن وهب وحبس وضرب، فروى حبان بن زهير العدوي، قال:

(1) في الأصل: وإذا أقام جماعة.
(2) أورده ابن عساكر مطولا 17 / 478 آ.
(3) هو داود بن المحبر. انظر ما قيل فيه وفي كتابه، الميزان للمؤلف 2 / 20.
(4) القمأة: الخصب والدعة.
(٥٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 550 551 552 553 554 555 556 557 558 559 560 ... » »»