سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ٧
برد بن سنان، عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب، عن أبيه، أن عبادة أنكر على معاوية شيئا، فقال: لا أساكنك بأرض، فرحل إلى المدينة، قال له عمر: ما أقدمك؟ فأخبره [بفعل معاوية]. فقال [له]: (1) ارحل إلى مكانك، فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك، فلا إمرة له عليك (2).
ابن أبي أويس، عن أبيه، عن الوليد بن داود بن محمد بن عبادة بن الصامت (3) عن ابن عمه عبادة بن الوليد، قال: كان عبادة بن الصامت مع معاوية، فأذن يوما، فقام خطيب يمدح معاوية، ويثني عليه، فقام عبادة بتراب في يده، فحشاه في فم الخطيب، فغضب معاوية، فقال له عبادة:
إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة، على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا، وأثره علينا، وألا ننازع الامر أهله، وأن نقوم بالحق حيث كنا، لا نخاف في الله لومة لاثم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في أفواههم التراب " (4).

(1) الزيادة من " تاريخ الاسلام ".
(2) رجاله ثقات.
(3) كذا الأصل، ولم أقف له على ترجمة في كتب الجرح والتعديل، وربما يكون محرفا عن " النعمان " بدل " الوليد " ففي " الجرح والتعديل " 8 / 447: النعمان بن داود بن محمد بن عبادة ابن الصامت الأنصاري: روى عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، روى عنه أبو نعيم، سمعت أبي يقول ذلك.
(4) ورجاله ثقات خلا الوليد بن داود بن محمد فإنني لم أعرفه، وأخرج أحمد 5 / 314 و 316، والبخاري 13 / 167 في الاحكام: باب كيف يبايع الناس الامام، والنسائي 7 / 137، 138 في أول البيعة من طريق عبادة بن الوليد، عن أبيه، عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي ليلة العقبة) على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط المكره، وأن لا ننازع الامر أهله، وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لاثم. وثمة بيعة أخرى، رواها عبادة، تمت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التي في الممتحنة، أخرجها البخاري 12 / 74، ومسلم (1709) كلاهما في الحدود: باب الحدود كفارة، من طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبادة بن الصامت، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: " تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم، فأجره على الله، من أصحاب شيئا من ذلك، فعوقب به. فهو كفارة له، ومن أصاب شيئا من ذلك، فستره الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه " وفي رواية: فتلا علينا آية النساء، وفي رواية: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء. وانظر " الفتح " 1 / 60، 65، وأما حديث " إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ": فأخرجه مسلم (3002) في الزهد والرقائق، وأحمد 6 / 5، والترمذي (2393)، وابن ماجة (3742)، وأبو داود (4804)، من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وأخرجه احمد 2 / 94 من حديث ابن عمر، وأخرجه أبو أحمد الحاكم في " الكنى " من حديث أنس، والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو.
قال الخطابي: المداحون: هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة، وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح، ويفتونه، فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن والامر المحمود، يكون منه ترغيبا له في أمثاله، وتحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه، فليس بمداح، وإن كان قد صار مادحا بما تكلم به من جميل القول فيه، وقد استعمل المقداد الحديث على ظاهره. وحمله على وجهه في تناول عين التراب بيده، وحثيه في وجه المادح. وقد يتأول أيضا على وجه آخر، وهو أن يكون معناه: الخيبة والحرمان، أي من تعرض لكم بالثناء والمدح، فلا تعطوه، واحرموه كنى بالتراب عن الحرمان.
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»