وذكره ابن إسحاق عن عثمان بن الحويرث، عن صالح بن كيسان أن الطفيل بن عمرو قال: كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي، فقدمت مكة، فمشيت إلى رجالات قريش، فقالوا: إنك امرؤ شاعر سيد، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل، فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا، فإنه فرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وابنه، فوالله ما زالوا يحدثوني شأنه، وينهوني أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني، قال: فعمدت إلى أذني، فحشوتها كرسفا (1)، ثم غدوت إلى المسجد، فإذا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، قائما في المسجد، فقمت قريبا منه، وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فقلت في نفسي: والله إن هذا للعجز، وإني امرؤ ثبت، ما تخفى علي الأمور حسنها وقبيحها، والله لا تسمعن منه، فإن كان أمره رشدا أخذت منه، وإلا اجتنبته، فنزعت الكرسفة، فلم أسمع قط كلاما أحسن من كلام يتكلم به، فقلت: يا سبحان الله! ما سمعت كاليوم لفظا أحسن ولا أجمل منه، فلما انصرف تبعته، فدخلت معه بيته، فقلت: يا محمد! إن قومك جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فأخبرته بما قالوا، وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، فاعرض علي دينك، فعرض علي الاسلام فأسلمت، ثم قلت: إني أرجع إلى دوس، وأنا فيهم مطاع، وأدعوهم إلى الاسلام لعل الله أن يهديهم، فادع الله أن يجعل لي آية قال: " اللهم اجعل له آية تعينه "، فخرجت حتى أشرفت على ثنية قومي، وأبي هناك شيخ كبير، وامرأتي وولدي. فلما علوت الثنية، وضع الله بين عيني نورا كالشهاب يتراءاه الحاضر في ظلمة الليل، وأنا منهبط من الثنية، فقلت: اللهم في غير وجهي،
(٣٤٥)