العقيدة أم مخالفا، فنراه مثلا يطول في تراجم الشعراء البارزين، أو كبار النحويين، أو أعلام الصوفية، أو كبار الخلفاء والملوك والسلاطين، وقد ترجم للشهاب السهروردي المقتول سنة 587 ه ترجمة طويلة باعتباره " العلامة الفيلسوف السماوي المنطقي.. من كان يتوقد ذكاء، مع قوله " إنه قليل الدين " وأن مصنفاته " سائرها ليست من علوم الاسلام " وأن الذين أفتوا بقتله " أحسنوا وأصابوا " (1)، وترجم ترجمة حافلة لراشد الدين سنان صاحب الدعوة النزارية الذي كان في رأيه: " سخط وبلاء " (2)، وأمثلة ذلك في " السير " كثيرة لا نرى كبير فائدة في إيراد المزيد منها. ومع أن الذهبي كان عظيم الاهتمام بالمحدثين، مكبرا لهم، شديد الكلف بهم، إلا أننا وجدناه يترجم لهم تراجم قصيرة عموما إذا استثنينا بعض كبار أعلامهم مقارنة بكثير من التراجم الطويلة التي خص بها بعض الشعراء والصوفية والمتكلمين والفلاسفة.
على أن هذا الذي قلته لا يعني أنه لم يتأثر إطلاقا بعقيدته وآرائه ونظرته إلى العلوم في فهم المترجمين وتطويل تراجمهم أو تقصيرها، فهذا أمر يجانب الطبيعة البشرية، وهو موجود عند جميع المؤرخين، لكننا نشير إلى محاولاته الجدية في الموازنة، وإلى أنه لم يفعل ذلك عن هوى وتقصد، إنما انطلق من تكوينه الفكري الذي كان يحدد أهمية " العلم " في خدمة الاسلام، أو الاضرار به، فكان ينطلق ليبين هذا أو ذاك فتطول التراجم.
إن تقدير الامام الذهبي للعلم الذي يترجم له ويطول في ترجمته بسبب المكانة التي يحتلها هي التي دفعت به إلى تخصيص مجلد كامل للسيرة النبوية الشريفة، فسيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي المثل الاعلى الذي يحتذيه