تهذيب الكمال - المزي - ج ١ - الصفحة ١٤٧
وأما السنة، فإن الله تعالى وفق لها حفاظا عارفين، وجهابذة عالمين، وصيارفة ناقدين، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فتنوعوا في تصنيفها، وتفننوا في تدوينها على أنحاء كثيرة وضروب عديدة، حرصا على حفظها، وخوفا من إضاعتها، وكان من أحسنها تصنيفا، وأجودها تأليفا، وأكثرها صوابا، وأقلها خطأ، وأعمها نفعا، وأعودها فائدة، وأعظمها بركة، وأيسرها مؤونة، وأحسنها قبولا عند الموافق والمخالف وأجلها موقعا عند الخاصة والعامة: صحيح أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ثم صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، ثم بعدهما كتاب السنن لابي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، ثم كتاب الجامع لابي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، ثم كتاب السنن لابي عبد الرحمان أحمد بن شعيب النسائي، ثم كتاب السنن لابي عبد الله محمد بن يزيد المعروف بابن ماجة القزويني وإن لم يبلغ درجتهم.
ولكل واحد من هذه الكتب الستة مزية يعرفها أهل هذا الشأن، فاشتهرت هذه الكتب بين الأنام، وانتشرت في بلاد الاسلام، وعظم الانتفاع بها، وحرص طلاب العلم على تحصيلها، وصنفت فيها تصانيف، وعلقت عليها تعاليق، بعضها في معرفة ما اشتملت عليه من المتون، وبعضها في معرفة ما احتوت عليه من الأسانيد، وبعضها في مجموع ذلك. وكان من جملة ذلك كتاب " الكمال " (1) الذي صنفه الحافظ أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي رحمة الله عليه في معرفة أحوال الرواة الذين اشتملت عليهم هذه الكتب الستة. وهو كتاب نفيس، كثير الفائدة، لكن لم يصرف مصنفه رحمه الله عنايته إليه حق صرفها، ولا استقصى الأسماء التي اشتملت

(1) تمام اسم الكتاب كما هو مشهور: " الكمال في أسماء الرجال ".
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»