فانصرف المختار منهزما فأغذ السير حتى أتى الكوفة فدخل القصر ورجع أصحاب المختار حين أصبحوا حتى وقفوا موقفهم فلم يروا المختار وقالوا قد قتل فهرب منهم من أطاق الهرب واختفى الباقون وتوجه منهم ثمانية آلاف إلى الكوفة فوجدوا المختار في القصر فدخلوا معه وأقبل مصعب حتى خندق على سدة القصر والمسجد وحصرهم أشد الحصار فخرج المختار يوما على بغلة شهباء فقاتلهم في الزياتين (1) وطلب أهل القصر الأمان من مصعب فأمنهم وفيهم سبع مائة من العرب وسائرهم من الموالي والعجم فأراد قتل هؤلاء وترك العرب فقيل له ما هذا بدين دينهم واحد تقتل العجم وتدع العرب فقدمهم جميعا فضرب أعناقهم وبعث برأس المختار إلى عبد الله بن الزبير مع رجل من الشرط فقدم الرسول فانتهى إلى ابن الزبير وهو في المسجد الحرام قد صلى العشاء الآخرة ثم قام يتنفل قال فوالله ما التفت إليه ولا انصرف حتى أسحر فأوتر ثم جلس فدنا الرسول فدفع إليه الكتاب فقرأه ثم دفعه إلى غلام له فقال الرسول يا أمير المؤمنين هذا الرأس معي فقال (2) القه فألقاه على باب المسجد ثم أتاه فقال جائزتي قال خذ الرأس الذي جئت به ولما قتل مصعب المختار وظفر بالعراق واستعمل العمال وجبى الأموال كتب إليه إبراهيم بن الأشتر يعلمه أنه على طاعته (3) وأسرع الناس إليه مع عداوته لأهل الشام وقتله إياهم ويسأله أن يأذن لهم في الوفادة إليه فأجابه مصعب إلى ذلك فخلف أبا قارب على الجزيرة وقدم على مصعب فأخذ بيعته لابن الزبير وأقام عنده آثر الناس عنده وأكرمهم عليه إنما كان يجلسه على سريره واستعمل مصعب المهلب بن أبي صفرة على الجزيرة والموصل وأذربيجان وأرمينية وفرق العمال في البلدان ثم جمع أشراف أهل المصرين ووفد إلى عبد الله بن الزبير وجعل إبراهيم بن الأشتر على الوفد جميعا فقال له عبد الله نظرت إلى راية (4) قد خفضها الله فرفعتها فقال يا أمير المؤمنين هذا سيد من خلفي إن رضي رضوا وإن سخط سخطوا فحل عبد الله بن الزبير أزراره فإذا ضربة على منكبه قد أخافته ثم قال
(٢٣٨)