خرج علينا أبو العباس محمد بن يعقوب رحمه الله ونحن في مسجده وقد امتلأت السكة من أولها إلى آخرها من الناس وهو عشية يوم الاثنين من شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وكان يملي عشية كل يوم (1) اثنين من أصوله مما ليس في الفوائد أحاديث (2) فلما نظر إلى كثرة الناس والغرباء من كل فج عميق وقد قاموا يطرقون له (2) ويحملونه على عواتقهم من باب داره إلى مسجده فلما بلغ المسجد جلس على جدار المسجد وبكى طويلا ثم نظر إلى المستملي فقال أكنت سمعت محمد بن إسحاق الصغاني يقول سمعت أبا سعيد الأشج يقول سمعت عبد الله بن إدريس يقول أتيت يوما باب الأعمش بعد موته فدققت الباب فقيل من هذا فقال ابن إدريس فأجابتني امرأة يقال لها برة هاي هاي يا عبد الله بن إدريس ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب ثم بكى الكثير ثم قال كأني بهذه السكة ولا يدخلها أحد منكم فإني لا أسمع وقد ضعف البصر وحان الرحيل وانقضى الأجل فما كان إلا بعد شهر أو أقل منه حتى كف بصره وانقطعت الرحلة وانصرف الغرباء إلى أوطانهم ورجع أمر أبي العباس إلى أنه كان يتناول قلما فإذا أخذ بيده علم أنهم يطلبون الرواية فيقول حدثنا الربيع بن سليمان ويقرأ الأحاديث التي كان يحفظها وهي أربعة عشر (4) حديثا وسبع حكايات وصار بأسوأ حال إلى شهر ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وثلاثمائة حتى توفي (5) وغسله أبو عمرو بن مطر وصلى عليه ودفن في مقبرة شاهين قال وسمعت الرجل الصالح أبا جعفر محمد بن موسى بن عمران يقول بحضرة الأستاذ أبي الوليد رأيت أبا العباس في المنام فقلت إلى (6) ماذا انتهى حالك أيها الشيخ فقال أنا مع أبي يعقوب البويطي والربيع بن سليمان في جوار أبي عبد الله الشافعي نحضر كل يوم ضيافته
(٢٩٦)