ووقف الأوقاف على هداية الخلق ودعا بهم إلى ما يعينهم من أمر الآخرة وتبغيض الدنيا والاشتغال بها على السالكين والاستعداد للرحيل في الدار الباقية والانقياد لكل من يتوسم فيه أو يشم فيه رائحة المعرفة أو التيقظ لشئ من أنوار المشاهدة حتى مرن على ذلك ولان ثم عاد إلى وطنه لازما بيته مشتغلا بالتفكر ملازما للوقت مقصودا نفيسا وذخرا (1) للقلوب ولكل من يقصده ويدخل عليه إلى أن أتى على ذلك مدة وظهرت التصانيف وفشت الكتب ولم يبد في أيامه مناقضة لما كان فيه ولا اعتراض على أحد على ما ا.... (2) حتى انتهت نوبة الوزارة إلى الأجل فخر الملك جمال الشهداء تغمده الله برحمته وتزينت خراسان بحشمته ودولته وقد سمع وتحقق بمكان الغزالي ودرجته وكمال فضله وحالته وصفاء عقيدته ونقاء سريرته فتبرك به وحضره وسمع كلامه فاستدعى منه أن لا تبقى أنفاسه وفوائده عقيمة لا استفادة (3) منها ولا اقتباس من أنوارها وألح عليه كل الإلحاح وتشدد في الاقتراح إلى أن أجاب إلى الخروج وحمل (4) إلى نيسابور وكان الليث غائبا عن عرينه والأمر خافيا في مستور قضاء الله ومكنونه فاشتد عليه في التدريس في المدرسة الميمونة النظامية عمرها الله فلم يجد بدا من الإذعان للولاة ونوى (5) إظهار ما اشتغل به هداية الشداة (6) وإفادة القاصدين دون الرجوع إلى ما انخلع عنه وتحرز عن رقة من طلب الجاه ومماراة الأقران ومكابدة المعاندين وكم قرع عصاه بالخلاف والوقوع فيه والطعن فيما يذره ويأتيه والسعاية به والتشنيع عليه فما تأثر به ولا اشتغل بجواب الطاعنين ولا أظهر استيحاشا بغميزة المخلطين ولقد (7) زرته مرارا وما كنت أحدس (8) في نفسي مع ما عهدته في سالف الزمان عليه من الزعارة (9) والجأش البأس والنظر إليهم بعين الازدراء والاستخفاف بهم كبرا وخيلاء واغترارا (10) بما رزق من البسطة في النطق والخاطر
(٢٠٢)