بخروجي فارتحلت من القادسية مع جماعة من الفقراء الفقهاء ونفذ ما كان معنا وأشرفنا على التلف فوصلنا إلى حي من احياء العرب ولم نجد شيئا واضطررنا إلى أن اشترينا منهم كلبا بدنانير وشووه وأعطوني قطعة من لحمه فلما أردت أكله فكرت في حالي فوقع لي أنه عقوبة خجل ذلك الفقير فتبت في نفسي وسكت ودلونا على الطريق فمضيت وحججت ثم رجعت معتذرا إلى الفقير أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن أنبأنا أبو سعد علي بن عبد الله أنبأنا أبو عبد الله بن باكويه قال سمعت أبا أحمد الصغير قال سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول خرجت في سفرتي الأولى واحتملت في المركب ولي ست عشرة (1) سنة ورجعت سريعا لأجل والدتي واشتغلت بالرياضات والمجاهدات وكنت آوي إلي مسجد سليمان وإلي كهف بالقرب منه فدخلت يوما من الأيام إلى المدينة وقد أثرت (2) على الفاقة فاستقبلني فقير من أصحابنا وحلفني أن أدخل إلى منزلة فقدم إلى لحما قد طبخ بالكشك (3) وكان اللحم متغير الرائحة فكنت آكل الثريد وأترك اللحم ولا أظهر له أن اللحم متغير كي لا يحتشم فلقمني لقمة لحم وتحملت بلعها ولقمني ثانية فظهر في وجهي الكراهة فخجل الفقير واغتممت أنا لخجلة وانزعجت انزعاجا عظيما فبعثت إلى والدتي وقلت إن أردت أن تودعيني فالحقيني بباب الدرب واحملي معك مرقعتي فجاءت ومعها المرقعة فلبستها وودعتها فما عارضتني وتعجبت من سكوتها بعدما عرفت من إشفاقها علي ومشيت ولم أدخل بغداد من شدة انزعاجي ودخلت الكوفة ولم أقم بها وخرجت إلى القادسية فرأيت جماعة من أهل خراسان فتعلقوا بي وقالوا نمشي معك وأنا متحير أنظر سبب ما أزعجني فتهنا في الطريق وما زلنا تائهين حتى نفذ زاد القوم وأشرفوا على التلف فرجعنا إلى رحلة من العرب وقد بلغ الجوع للتلف (4) فطلبوا الطعام فلم يقدروا عليه وبلغ بهم الجهد إلى أن اشتروا كلبا بدنانير وذبحوه وشووه وأعطوني من لحمه قطعة فلما أردت أن آكله علمت أنه عقوبة ذلك الفقير ثم دلونا على الطريق فذهبت وحججت ورجعت إلى عند والدتي واعتذرت إلى الفقير وقصصت عليه القصة فتعجبوا منه
(٤١٠)