ذكر ذو الرمة في مجلس فيه عدة من الأعراب فقال عصمة بن مالك شيخ منهم قد أتى له مائة سنة فقال كان من أظرف الناس كان آدم خفيف العارضين حسن المضحك حلو المنطق وكان إذا أنشد بربر وجش صوته وإذا واجهك لم تسأم حديثه وكلامه وكان له إخوة يقولون الشعر منهم مسعود وهمام وحرماس (1) فكانوا يقولون القصيدة فيزيد فيها الأبيات فيغلب (2) عليها فتذهب له فأتى يوما فقال يا عصمة إن مية منقرية وبنو منقر أخبث حي وأبصره بأثر وأعلمه بطريق فهل عندك من ناقة تزدار عليها مية فقلت نعم عندي الجؤذر قال علي بها فركبناها جميعا حتى نشرف على بيوت الحي فإذا هم خلوف وإذا بيت مية خال فملنا إليه فتقوض (3) النساء نحونا ونحو بيت مي فطلعت علينا فإذا هي جارية أملود واردة الشعر وإذا عليها سب أصفر وقميص أخضر فقلن أنشدن يا ذا الرمة فقال أنشدهن يا عصمة فنظرت إليهن وأنشدتهن (4) * وقفت على رسم (5) لمية ناقتي * فما زلت أبكي عنده وأخاطبه وأسقيه حتى كاد مما أبثه * تكلمني أحجاره وملاعبه * حتى بلغت إلى قوله هوى آلف خاف الفراق ولم تجل * جوائلها أسراره ومعاتبه فقالت ظريفة ممن حضر فلتجل الآن فنظرن إليها حتى أتت على القصيدة إلى قوله (6) * إذا سرحت من حب مي سوارح * على القلب أتته جميعا عوازبه * فقالت الظريفة منهن قتلته قتلك الله فقالت ما أصحه وهنيئا له ح فتنفس ذو الرمة نفسا كاد من حره يطير شعر وجهه ومضيت في الشعر حتى أتيت على قوله وقد حلفت بالله مية ما الذي * أقول لها إلا الذي أنا كاذبه إذا فرماني الله من حيث لا أرى * ولا زال في داري عدو أحاربه *
(١٥٦)