قال فأخذ عمير جرابه فجعل فيه زاده وقصعته وعلق إداوته وأخذ عنزته ثم أقبل يمشي من حمص حتى دخل المدينة قال فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه وطالت شعرته فدخل على عمر وقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله فقال عمر ما شأنك فقال عمير ما ترى من شأني ألست تراني صحيح البدن طاهر الدم معي الدنيا أجرها مما بقرنها فقال ما معك فظن عمر أنه قد جاءه بمال فقال معي جرابي أجعل فيه زادي وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن عرض (1) بي فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي قال عمر فجئت تمشي قال نعم قال أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها قال ما فعلوا ولا سألتهم ذلك فقال عمر بئس المسلمون خرجت من عندهم فقال عمير اتق الله يا عمر قد نهاك الله عن الغيبة وقد رأيتهم يصلون صلاة الغداة قال عمر فأين بعثتك (2) وأي شئ صنعت قال وما سؤالك يا أمير المؤمنين فقال عمر سبحان الله فقال عمير (3) لولا أني أخشى أن أغمك لما أخبرتك بعثتني حتى أتيت البلد فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيئهم حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه ولو نالك منه شئ لآتيتك به قال ما جئتنا بشئ قال لا قال جددوا لعمير (4) قال إن ذلك لشئ لا علمت لك ولا لأحد بعدك والله ما سلمت بل لم أسلم لقد قلت لنصراني أي أخزاك الله فهذا ما عرضتني يا عمر وإن أشقى أيامي يوم خلقت معك يا عمر فاستأذنه فأذن له فرجع إلى منزله قال وبينه وبين المدينة أميال فقال عمر حين انصرف عمير ما أراه إلا قد خاننا فبعث رجلا يقال له الحارث وأعطاه مائة دينار فقال انطلق إلى عمير حتى تنزل كأنك ضيف فإن رأيت أثر شئ فأقبل وإن رأيت حالا شديدا فادفع إليه هذه المائة دينار فانطلق الحارث فإذا هو بعمير جالس يغلي قميصه إلى جنب الحائط فسلم عليه
(٤٩٠)