يزيد بن عبد الملك كأنهم تراجعوا فقالوا أين عمر بن عبد العزيز فطلبوه فلم يوجد في القوم قال فنظروا فإذا هو في مؤخر المسجد قال فأتوه فسلموا عليه بالخلافة فعقر فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه فرقوا به المنبر فلم يقدر على الصعود حتى أصعدوه فجلس طويلا لا يتكلم فلما رآهم رجاء جلوسا قال ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه قال فنهض القوم إليه فبايعوه رجلا رجلا قال فمد يده إليهم قال فصعد إليه هشام فلما مد يده إليه قال يقول هشام إنا لله وإنا إليه راجعون فقال عمر نعم إنا لله وإنا إليه راجعون حين صار يلي هذا الأمر أنا وأنت قال ثم قام عمر فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إني لست بقاض ولكني منفذ (1) ولست بمبتدع ولكني متبع وإن حولكم من الأمصار والمدن فإن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا وليكم وإن هم نقموا فلست لكم بوال ثم نزل يمشي فأتاه صاحب المراكب فقال ما هذا قال مركب للخليفة قال حاجة لي فيه ائتوني بدابتي فأتوه بدابته فركبها ثم خرج يسير وخرجوا معه فمالوا إلى الطريق قال إلى أين قالوا البيت الذي يهيأ للخليفة قال لا حاجة لي فيه انطلقوا بي إلى منزلي قال رجاء فأتى منزله فنزل عن دابته ثم دعا بدواة وقرطاس وجعل يكتب بيده إلى العمال في الأمصار ويمل على نفسه قال رجاء فلقد كنت أظن أنه (2) سيضعف فلما رأيت صنيعه في الكتاب علمت أنه سيقوى بهذا ونحوه قال القاضي قد اختلف أهل العلم في الشهادة على الكتاب المختوم كالذي جرى في هذه القصة وكالرجل يكتب وصيته في صحيفة ويختم عليها ويشهد قوما على نفسه أنها وصيته من غير أن يقرأوها عليه أو يقرأها عليهم ويعاينوا كتبه إياها وما أشبه هذا مما يشهد المرء فيه على نفسه (3) وإن لم يقرأها الشاهد أو لم تقرأ عليه فأجاز ذلك وأمضاه وأنفذ الحكم به جمهور أهل الحجاز وروي عن سالم بن عبد الله وذهب إلى هذا مالك بن أنس ومحمد بن مسلمة (4) المخزومي وأجاز ذلك مكحول ونمير بن أوس وزرعة بن
(١٦١)