وكانت إشارته وفحوى كلامه يدلان على استصغاره موارد أمورنا ومصادرنا فدخلت إليه فقال يا ها ما أجا بك به فقلت هو مجنون فقال لا تغالطني فيه هو يعقل إلا أنه خشن (1) الكلام فبحياتي لما قصصت لي جوابه فقابلت جهة من الدار وأعدت عليه جميع ما تكلم به فقال قد والله ابتليت به وركب فتلقاه بمثل ما كان تلقاه ودخل عبيد الله إلى أمير المؤمنين فما أطال حتى خرج إلى غلام له كان يدخل بدخوله فقال الشيخ الذي كلمته اليوم وأجابك فبعثت إليه من جاء به فسار مسرعا حتى أدخله إلى أمير المؤمنين فأقام مقدار ساعة ثم خرج ومعه ثلاث توقيعات بين أصابعه فقال لي لما رآني يشكر الله عز وجل ولأمير المؤمنين ومضى وانتظرت الوزير على عادتي حتى خرج فوالله ما صبر (2) إلى دخول داره حتى حدثني بحديثه في الطريق قال دخلت وقد غلب الغيظ من رسالة هذا الشيخ لأنه خلط فيها التأله وما بنيت عليه الدنيا من سر تقلبها فبعض الرسالة يحركني على مساءته وبعضها يقفني عنه فوقفت بين يدي أمير المؤمنين فألقى إلي كتاب عامل بريد الثغر يخبر بوفاة عامل الخراج به وقال من ترى أن ينقل إلى العمل وكان هذا العمل في أيام المتوكل كثير المال غزيز الإنفاق لما يحمله إليه المتوكل من الأموال للغزاة ومصالح الثغر ففكرت ساعة فقال ما ظننتك على هذا التخلف ولقد توهمت أن في خاطرك الساعة مائة يصلحون لمثله فقلت له على الباب شيخ يصلح إن قبلته عين أمير المؤمنين فاستحضره فلما تأمله قال ما أحسن ما اخترت قد قبلته نفسي فعلمت أن الأمر على ما ذكره لي في رسالته معك فقال له المتوكل كيف بك إذا ندبناك لموضع يهمنا قال أستفرغ جهدي والجهد غادر قال صدقت وقع له الساعة بتقليده وأخذ الرزق المرسوم له فيه ففعلت فقال الله الله يا أمير المؤمنين قد أخلقت حالي يعطلني فإن رأى أن ينهضني بمعونة قال وقع له بألف دينار معونة ففعلت فقال له أمير المؤمنين بادر الناحية فقال يكتب لي بإزاحة علة من يتوجه معي في أرزاقهم قال اكتب له (3) فخرج بثلاث توقيعات وما رأيت في نفسه انخفاضا ولا تذللا وكأن أمير المؤمنين قضاه دينا يجب له الخروج إليه منه أخبرنا أبو العز بن كادش إذنا ومناولة وقرأ علي إسناده أنا محمد بن الحسين أنا
(١٤٥)