قال لما قدم زياد الكوفة أميرا أكرم حجر بن الأدبر وأدناه فلما أراد الانحدار إلى البصرة دعاه فقال يا حجر انك قد رأيت ما صنعت بك واني أريد البصرة وأحب أن تشخص معي واني أكره أن تخلف بعدي فعسى أن أبلغ عنك شيئا فيقع في نفسي فإذا كنت معي لم يقع في نفسي من ذاك شئ فقد علمت رأيك في علي بن أبي طالب وقد كان رأيي فيه قبلك على مثل رأيك فلما رأيت الله صرف ذلك الأمر عنه إلى معاوية لم اتهم الله ورضيت به وقد رأيت ما صار أمر علي وأصحابه واني أحذرك أن تركب (1) اعجاز أمور هلك من ركب صدرها فقال له حجر أني مريض ولا أستطيع الشخوص معك قال صدقت والله إنك لمريض مريض (2) الدين مريض القلب مريض العقل وأيم والله لئن بلغني عنك شئ أكرهه لأحرصن على قتلك فانظر إلى نفسك أو دع فخرج زياد فلحق بالبصرة واجتمع إلى حجر قراء أهل الكوفة فجعل عامل زياد لا ينفذ له أمر ولا يريد شيئا إلا منعوه إياه فكتب إلى زياد أني والله ما أنا في شئ وقد منعني حجر وأصحابه كل شئ فأنت اعلم فركب زياد بعماله حتى اقتحم الكوفة فلما قدمها تغيب حجر وأصحابه فجعل يطلبه فلا يقدر عليه فبينما هو جالس يوما وأصحاب الكراسي حوله فيهم الأشعث (3) بن قيس إذ أتى الأشعث ابنه محمد فناجاه وبلغه أن حجرا قد لجأ إلى منزله فقال له زياد ما قال لك ابنك قال لا شئ قال والله لتخبرني ما قال لك حتى اعلم انك قد صدقت أو لا تبرح مجلسك حتى أقتلك فلما عرف الأشعث اخبره فقال لرجل من أهل الكوفة من أشرافهم قم فائتني به قال اعفني أصلحك الله من ذلك ابعث غيري قال لعنة الله عليك خبيثا مخبثا والله لتأتيني به وألا قتلتك فخرج الرجل حتى دخل عليه فأخذه وأخبر حجر الخبر فقال له ابعث إلى جرير بن عبد الله فليكلمه فيك فإني أخاف أن يعجل عليك فدخل جرير على زياد فكلمه فقال هو آمن من أن اقتله ولكن أخرجه فابعث به إلى معاوية فجاء به على ذلك
(٢١٦)