التدبير لذلك، ليس ممن يقحم (1) بهم في المهالك، ولا ممن يمنعهم عن الفرصة إذا رأوها، لان الامام ناظر لهم، وتمام النظر أن يؤمر عليهم من جربه بهذه (2) الخصال، فإنه إذا كان يمنعهم من الفرصة يفوتهم ما لا يقدرون على إدراكه على ما قيل: الفرصة خلسة. وإذا اقتحم في المهالك من جرأته لم يجدوا بدا من متابعته، ثم يخرج هو بقوته (3) وربما لا يقدرون على مثل ما قدر هو فيهلكون (4).
46 - وروى في تأييد هذا حديث عمر رضي الله عنه فإنه كان يكتب إلى عماله: لا تستعملوا البراء بن مالك على جيش من جيوش المسلمين فإنه هلكة من الهلك يقدم بهم.
والبراء أخو أنس بن مالك رضي الله عنهما كان من جملة كبار صحابة رسول الله في الزهد. وفى (5) درجته ما قال رسول الله عليه السلام: " رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك ".
وقد روى أن الامر اشتد على المسلمين في بعض الغزوات فقيل للبراء ابن مالك: ألا تدعو؟ وقد قال رسول الله عليه السلام ما قال. فرفع يديه وقال: اللهم امنحنا أكتافهم. فولوا منهزمين في الحال.
ومع هذا نهى عمر رضي الله عنه عن تأميره لجرأته فإنه كأنه يقتحم المهالك ولا يبالي به.