شرح السير الكبير - السرخسي - ج ١ - الصفحة ٣٩
فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم آبائكم خير من أن تخفروا ذمة الله تعالى.
والذمة هي (1) العهد قال الله تعالى {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة} (2) ومنه سميت الذمة للآدمي فإنه محمد الالتزام بالعهد.
والمراد بذممهم وذمم آبائهم الحلف والمحالفة (3) التي كانت بينهم في الجاهلية. ومعنى الاخفار هو نقض العهد. يقال: خفروا إذا عاهدوا، وأخفروا إذا نقضوا العهد، وذلك لا بأس به عند الحاجة إليه. قال الله تعالى:
{وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} (4) منكم ومنهم في العلم، وذلك للتحرز عن العذر. وفى قوله {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين} (5) ما يدل على ذلك. وأيد ما قلنا قوله عليه السلام: " ثلاثة (6) أنا خصمهم ومن كنت خصمه خصمته، وقال في تلك الجملة: رجل أعطى ذمتي ثم خفر، ورجل باع حرا وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا ولم يعطه أجره ".
ففيه بيان أنه لا بأس بإعطاء ذمته ولكن يحرم الغدر، وأمراء الجيوش كانوا يعطون الأمان بالله ورسوله، ولم ينكر عليهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . فدل أنه لا بأس به.
34 - ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: بعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان على جيش، فخرج معه يمشى وهو يوصيه. فقال: يا خليفة رسول الله! أنا الراكب وأنت

(1) ب، ه‍ " هو ".
(2) سورة التوبة، 9، الآية 10.
(3) ب، أ " الممالحة ".
(4) سورة الأنفال، 8، الآية 58.
(5) سورة التوبة، 9، الآية 1.
(6) ط، ب، أ " ثلاث ".
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»