ليله ونهاره في إخماد الفتن ولم يجد طمأنينة حتى لقي ربه، وصدقت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه حينما وصلها استشهاد علي كرم الله وجهه فتمثلت بهذا الشعر:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر (1) وتجتمع الخلافة بعد تنازل الحسن بن علي، على معاوية رضي الله عنهما والفرقة خفت وطأتها فساسها بحلم وأناة وحكمة وصبر، وكان الامر فيه شئ من الهدوء والسكينة ولا يمضي يوم إلا وبعده شر منه.
والفتنة وإن كانت تقلق داخل المجتمع الاسلامي إلا أن خارجه بقي مرهوب الجانب ببركة الصالحين من عامة المسلمين وبصلاحهم فالخير كان هو المتحكم في سلوكهم وتعلقهم بالله عز وجل وقيامهم بالدعوة إلى الله.
كيف لا وهم صحابة رسول الله الذين رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم بسلوكه ومنهجه لم ينسوا واجباتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم تسلم الامر التابعون لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تربوا في أحضان الصحابة وتلقوا الهدى وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم وقاموا بنشره بين الناس، فكانت روح الاسلام يقظة متبصرة، وكان المجتمع الاسلامي مرهوبا في نظر الأعداء الموتورين خارجا وداخلا. وظلت جنود الاسلام في ظل هذه الفتن الداخلية تغزو وتفتح قلوب العباد وبلادهم وتنشر الدعوة إلى الله. وتعلم الناس الكتاب والحكمة وتمضي سفينة الاسلام تمخر عباب الفتن الداخلية مع الجهاد في سبيل الله وتتوسع رقعة البلاد الاسلامية حتى تصل إلى قلب إفريقيا وأبواب أوربا والصين ويدخل في دين الله ناس مخلصون طائعون، وناس اتفقت أهواءهم مع هوى السبائية في كل زمن فيتصلون بزمرتهم سنة الله في الذين خلوا من قبل.