الطبقة الرابعة بين سنتي 126 - 132.
وقد أظهر هذا التقسيم عيبا واحدا في الكتاب، إذ قد يكون أحد الأشخاص داخلا في غير واحد في هذا المنهج الكبير، أي قد يكون أحد الناس بدريا، ممن يفتي أيام الرسول، ثم هاجر إلى مصر من الأمصار وعلى هذا فلابد له من ثلاث تراجم، غير أن ابن سعد كان على وعي بهذا ولذلك ففي مثل هذه الأحوال تجده يطيل الترجمة في موطن واحد ويوجز في المواطن الأخرى. وهناك مظهر آخر لهذا التقسيم نتج من الاعتماد الكلي على الرواية وذلك هو أننا كلما ابتعدنا عن الطبقات الأولى التي تهم ابن سعد الرواية عنها من جميع النواحي، أخذت الترجمة تتضاءل وتقل قيمتها، وبدلا في هذا بقولة موجزة وأفاض كثيرا في تراجم الصحابة وكبار التابعين وبلغ من الدقة حدا يجعل من كتابه وثيقة بالغة القيمة.
وقد اختفت شخصية ابن سعد أو كادت وراء السند، بل إنه لا يضيرنا كثيرا أن نعتبر كتاب الطبقات رواية نقلها تلميذ ابن سعد " الحارث بن أبي أسامة " مثلا - بل إننا نجد في بعض المواطن هذه العبارة " حدثنا محمد بن سعد " أي أن الذي يروي النص تلميذه لا هو، وقد كفل هذا للكتاب قسطا وافرا جدا من الموضوعية، كما هي الحال في أكثر نواحي الثقافة الاسلامية المعتمدة على الأسانيد. وليس لابن سعد في الكتاب تعليقات كثيرة ولكن ما يوجد منها يدل على قدرة نقدية طيبة. فمن ذلك قوله في التعليق على اختلاف العلماء في نسب معد: " ولم أر بينهم اختلافا أن معدا من ولد قيذر بن إسماعيل، وهذا الاختلاف في نسبته يدل على أنه لم يحفظ وإنما أخذ ذلك من أهل الكتاب وترجموه لهم فاختلفوا فيه، ولو صح ذلك لكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعلم الناس به، فالامر عندنا على الانتهاء إلى معد بن عدنان ثم الامساك