كليات في علم الرجال - الشيخ السبحاني - الصفحة ٤٨٩
الثالث: إن السلطة الأموية كانت تدعم وضع الحديث بشدة وحماس لما في تلك الأحاديث المزورة من تحكيم عرش الخلافة وثباته، خصوصا إذا كان الوضع في مجال المناقب والفضائل للخلفاء وبالأخص للأمويين منهم.
وهذا معاوية ابن هند آكلة الأكباد كتب إلى عماله في الآفاق: " لا تجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة. وانظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا إلى بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته ".
وقد كان لهذا المنشور أثر بارز في إكثار الفضائل لعثمان، وخلقها له، لما كان يبعثه معاوية إليهم من الصلات والكساء والحباء ويفيضه في العرب منهم والموالي. فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجئ أحد مردود من الناس، عاملا من عمال معاوية ويروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه، وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا.
ثم كتب معاوية إلى عماله: " إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد إليهم من مناقب عثمان وفضله ".
وقد قرء هذا المنشور على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، والقي إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء
(٤٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 » »»
الفهرست