كليات في علم الرجال - الشيخ السبحاني - الصفحة ٥٠
فليس هنا أصل يرفعه، ولأجل ذلك لا يكون قول المحدس حجة الا لنفسه.
والمقام من هذا القبيل، فإن المشايخ لم يروا بأعينهم ولم يسمعوا بآذانهم صدور روايات كتبهم، وتنطق أئمتهم بها، وإنما انتقلوا إليه عن قرائن وشواهد جرتهم إلى الاطمئنان بالصدور، وهو إخبار عن الشئ بالحدس، ولا يجري في مثله أصالة عدم الخطأ ولا يكون حجة في حق الغير.
وإن شئت قلت: ليس الانتقال من تلك القرائن إلى صحة الروايات وصدورها أمرا يشترك فيه الجميع أو الأغلب من الناس، بل هو أمر تختلف فيه الانظار بكثير، فرب إنسان تورثه تلك القرائن اطمئنانا في مقابل إنسان آخر، لا تفيده إلا الظن الضعيف بالصحة والصدور، فإذن كيف يمكن حصول الاطمئنان لأغلب الناس بصدور جميع روايات الكتب الأربعة التي يناهز عددها ثلاثين ألف حديث، وليس الاخبار عن صحتها كالاخبار عن عدالة إنسان أو شجاعته، فإن لهما مبادئ خاصة معلومة، يشترك في الانتقال عنها إلى ذينك الوصفين أغلب الناس أو جميعهم، فيكون قول المخبر عنهما حجة وإن كان الاخبار عن حدس، لأنه ينتهي إلى مبادئ محسوسة، وهي ملموسة لكل من أراد أن يتفحص عن أحوال الانسان. ولا يلحق به الاخبار عن صحة تلك الروايات، مستندا إلى تلك القرائن التي يختلف الناس في الانتقال عنها إلى الصحة إلى حد ربما لا تفيد لبعض الناس إلا الظن الضعيف. وليس كل القرائن من قبيل وجود الحديث في كتاب عرض على الامام ونظيره، حتى يقال إنها من القرائن الحسية، بل أكثرها قرائن حدسية.
فان قلت: فلو كان إخبارهم عن صحة كتبهم حجة لأنفسهم دون غيرهم، فما هو الوجه في ذكر هذه الشهادات في ديباجتها؟
قلت: إن الفائدة لا تنحصر في العمل بها، بل يكفي فيها كون هذا الاخبار باعثا وحافزا إلى تحريك الغير لتحصيل القرائن والشواهد، لعله يقف
(٥٠)
مفاتيح البحث: الحج (4)، الظنّ (2)، الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 53 55 57 58 ... » »»
الفهرست