جده إلى الرفيق الأعلى، وبوفاته انتقلت الإمامة وزعامة المسلمين إلى أبيه الإمام الباقر عليه السلام، وفي هذه الفترة تولى أبوه أمر تربيته وتغذيته بالعلوم والآداب والمعارف والحكم، ولم يزل تحت كنف أبيه مدة تسع عشرة سنة حتى توفي والده الإمام الباقر عليه السلام، فانتقلت إليه امامة وقيادة الأمة الاسلامية.
وبعد تخرج الإمام عليه السلام من مدرستي جده وأبيه وتصدره امامة المسلمين صمم على تشييد جامعته العلمية الكبرى في جو يسوده الرعب والاختناق، حيث البلدان الاسلامية يحكمها حكام الجور، وفي أجواء تكاثرت فيه دعاة الفساد والرذيلة، ديدنهم نشر الزيف والباطل ومقارعة الحق والفضيلة.
في تلك الأوساط الرهيبة والأجواء الملبدة بغيوم البغضاء والكراهية لآل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أزمع الإمام عليه السلام على افتتاح تلك الجامعة في مجتمع متناقض مع تعاليم الشريعة الاسلامية من ناحية ومع تعاليم أهل البيت عليهم السلام من ناحية أخرى، الا ما شذ وندر من أفراد قلائل اتخذوا سياسة التقية والحذر من السلطة الأموية القائمة يومئذ وأشياعهم.
افتتحت الجامعة والأمة الاسلامية في دوامة من الفوضى وتنازع في الآراء، واضطراب في الأهواء والميول، وتشتت في الأفكار والاتجاهات.
كان ولاة الأمور وعمالهم يحكمون بما يسوغ لهم، وضعاف النفوس من وعاظ السلاطين يتقربون إلى الحكام عن طريق بيع دينهم وضمائرهم، فكانوا يتهمون هذا ويشنعون على ذاك، ويقلبون الحقائق ويروجون لكل فاسد وباطل.
في هذا الوسط الزائف كان الإمام الصادق عليه السلام وأتباعه والشخصيات النظيفة الملتزمة أكثر الناس نصيبا من الاضطهاد والتعقيب والبلاء. عاش إمامنا الصادق عليه السلام تلك الفترات المرعبة من العهد الأموي البغيض، وشاء القضاء والقدر أن يعاصر من ملوكهم كلا من عبد الملك بن مروان، والوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، والوليد بن يزيد، ويزيد بن الوليد، ومروان بن محمد آخر أولئك