الفراعنة.
عاصر الإمام عليه السلام كل تلك الحفنة الحاقدة على رسالة جده المصطفى صلى الله عليه وآله، والمبغضة لآل بيت النبوة، فعاش تلك المدة الطويلة وأهل بيته وشيعته في أجواء مرعبة، محفوفة بكل صنوف البلاء والمحن والاهانات.
وما انطوت الأيام والليالي حتى دب الخلاف بين الأمويين المتسلطين على رقاب المسلمين، فاضطربت دولتهم وضعفت أركانها، فتعالت الصيحات بسقوطهم وإقامة دولة آل محمد عليهم السلام أصحاب الأمر وولاة الأمور الشرعيين، وأخيرا اضمحلت تلك الدولة البغيضة وذهب حكامها إلى مزبلة التاريخ.
فجاء دور بني العباس بزعامة السفاح الذي تظاهر بولائه لآل البيت عليهم السلام والانتقام من الأمويين قتلة الإمام الحسين عليه السلام في هذه الفترة الانتقالية تنفس الإمام عليه السلام وأهل بيته وشيعته الصعداء، فأعلن عن افتتاح جامعته العلمية، لتقدم الغذاء الروحي والفكري للأمة عن طريق توجيههم ونشر أحكام وتعاليم الشريعة الغراء بين صفوفهم.
فكانت داره عليه السلام منتدى لنشر صنوف العلوم والمعارف، ومشعلا من مشاعل الهداية والفكر الخلاق، فتزعم - بحق - الحركة الفكرية في أول جامعة اسلامية، تضم الآلاف من الطلبة والمتشوقين إلى العلوم والمعارف، فتخرج منها الرعيل الأول من علماء الحديث والفقه والتفسير والحكمة والكلام والفلسفة والرياضيات والنجوم والطب وغيرها، وكانوا يفتخرون بتتلمذهم على يد الإمام عليه السلام وتخرجهم من جامعته العلمية، وقد ذكرتهم في كتابي هذا.
ولم يزل الامام مشعلا ينير الطريق امام طلبة العلم والمعرفة حتى مات السفاح، فتسلم سدة الحكم المنصور الدوانيقي الذي لمس في الإمام عليه السلام ومبادئه وشيعته خطرا عليه وعلى حكومته، فصمم القضاء على الإمام عليه السلام والفتك به بأي وسيلة كانت، فقال قولته المعروفة للإمام عليه السلام: قتلني الله ان لم أقتلك.
ولكن الإمام عليه السلام - رغم تلك الظروف القاسية والتهديدات الشريرة من